وإنَّما فُرِّقَ بين المجنون والميِّت في توثيق الدَّيْنِ؛ فاشتُرط في الثَّاني ولم يشترط في الأوَّل؛ لأنَّ المجنون يُحجر على ماله؛ حفظاً له من الضياع، فإذا حلَّ أجل الدَّيْن كان الوفاء من ماله، بخلاف الميِّت؛ فإنَّ ماله يُوزَّع بين ورثته، فإذا حلَّ الأجل كان حقُّ الدائن مَظِنَّةً للضياع، فاحتيج هنا إلى التَّوثيق.
- يجب على المدين القادر وفاء دَيْنِهِ فوراً إذا كان حالًّا، أو كان مؤجَّلاً ابتداءً ثمَّ حلَّ أجله، وطالبه به ربُّه؛ لقول النبيِّ ﷺ:(مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ)[رواه البخاري ومسلم]. والمماطلة إنَّما تتحقَّق بالطَّلب؛ فمماطلة المدين بعد طلبه مع قدرته على الوفاء ظلمٌ لصاحب الحقِّ، فإنْ لم يطالبه به فلا يجب عليه قضاؤه على الفور.
فإنْ مَطَله المدين حتَّى شكاه إلى القاضي، وجب على القاضي أنْ يأمره بالوفاء، وما غَرِمه الدائن في شكايته بسبب مماطلة المدين يرجع به على المدين؛ لِتسبُّبه فِي غُرْمه.
فإنْ أبى المدين الوفاء بعد أَمْرِ القاضي له، حبسه القاضي؛ لقول النبيِّ ﷺ:(لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ)[رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه]. قال الإمام أحمد:«قال وَكيعٌ: عِرْضُه؛ شَكْواهُ. وعُقوبَتُه؛ حَبْسُه».
ولا يجوز للقاضي إخراجه من الحبس؛ لأنَّ حبسه حُكْمٌ، فليس له رفعه دون رضا المحكوم له، إلَّا إذا تبيَّن أنَّه مُعْسِرٌ لا يستطيع الوفاء، أو يؤدِّى ما عليه، أو يُبْرئه صاحب الحقِّ، أو يرضى بخروجه؛ لأنَّ حبسه حقٌّ لربِّ الدَّيْن، وقد أَسْقطه.
فإذا تبيَّن أنَّه مُعْسِرٌ، وجب إطلاقه وتخليته؛ رضي خصمه بذلك أم لا؛ لقول الله ﷿: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ [البقرة: ٢٨٠]، فقد أوجب