للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المستورَ قومٌ، ورجَّحه ابن الصَّلاح، ولا يُقبَل حديثُ مُبْهَمٍ ما لم يُسمَّ؛ إذ شرطُ قبول الخبر عدالةُ ناقله، ومن أُبهِم اسمه؛ لا تُعرَف عينه، فكيف تُعرَف عدالته؟ ولا يُقبَل مَنْ به بدعةُ كفرٍ، أو يدعو إلى بدعةٍ،

مئة واثنان وأربعون حديثًا، والسببُ في قِلَّةِ ما روي عنه مع تقدُّمه وسبقه وملازمته له أنَّه تُوفي قبل اعتناء الناس بسماع الحديث وتحصيله وحفظه، كذا ذكر النووي في «التهذيب».

الثانية: قال أبو زُرعة الرازي: قُبِضَ رسولُ الله عن مئة ألف وأربعة عشر ألفًا من الصحابة ممن روى عنه وسمع منه، فقيل له: هؤلاء أين كانوا وأين جمعوا؟ قال: أهل المدينة ومكة ومن بينهما والأعراب ومَن شهد معه حجة الوداع.

قال العراقي: كيف يمكنُ الاطلاع على تحرير ذلك مع تفرق الصحابة في البلدان والبوادي والقرى، وروى السَّاجي في «المناقب» بسندٍ جيدٍ عن الشافعي (١) قال: قبض رسول الله والمسلمون ستون ألفًا؛ ثلاثون ألفًا بالمدينة وثلاثون ألفًا في قبائل العرب وغير ذلك.

الثالثة: آخرُ الصحابة موتًا مطلقًا أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي، مات سنة مئة من الهجرة، قاله مسلم في «صحيحه» والحاكم في «المستدرك»، وقيل: سنة اثنتين ومئة، وقيل: سنة سبع ومئة، وقيل: سنة عشر ومئة.

آخرهم قبله أنس بن مالك مات بالبصرة سنة ثلاث وتسعين.

وآخرهم موتًا بالمدينة سهل بن سعد الأنصاري سنة ثمان وثمانين، وقيل غير ذلك، وعليه حُمل إطلاق من أطلق أنَّه آخر الصحابة موتًا.

وآخر الصحابة موتًا بالكوفة عبد الله بن أبي أوفى، مات سنة ست أو سبع أو ثمان وثمانين.

وبالشام عبد الله بن بسر (٢) المازني سنة ثمان وثمانين وهو آخر من مات ممن صلى للقبلتين.

وبفلسطين أبو [أُبي] عبد الله بن حَرام، ربيب عُبادة بن الصامت.

وبمصرَ عبد الله بن الحارث بن جَزْءٍ الزُّبَيْدي سنة ست أو سبع أو ثمان أو تسع وثمانين، وكانت وفاته بسفطِ أبي تراب.

وباليمامة الهِرْمَاس بن زياد سنة اثنين ومئة.

وبالبادية سَلَمَةُ بن الأَكْوَع سنة أربع وستين أو وسبعين على ما قاله ابن منده، لكن الصحيح أنَّه مات بالمدينة.

وبخُرَاسان بُرَيْدَة بن الحصيب (٣).

وبالطائف ابن عباس.

وبأصبهان النَّابِغَة الجَعْدِي.

وبسَمَرْقَنْد الفضل بن العباس. انتهى مُلخصًا في «شرح التقريب».

قوله: (المَسْتُوْرَ) هو العدلُ في الظاهرِ، الخفي العدالة في الباطن؛ أي: المجهولها.

وقوله: (قوم) منهم: سُلَيم الرازي، قال: لأنَّ الإِخبار مبنيٌّ على حسنِ الظنِّ بالراوي، ولأنَّ رواية الأخبار تكونُ عند من يتعذر عليه معرفةُ العدالة في الباطن، فاقتصر فيها على معرفة ذلك في الظاهر، بخلاف الشهادة فإنَّها تكون عند الحكام فلا يتعذرُ عليهم ذلك.

قوله: (وَرَجَّحَهُ ابْنُ الَّصلَاحِ)؛ أي: حيثُ قال: يُشبه أن يكونَ العمل على هذا الرأي في كثيرٍ من كتب الحديث في جماعة من الرواة تقادم العهد بهم وتعذَّرت خبرتهم باطنًا. انتهى.

وكذا صحَّحه النووي في «شرح المهذب».

قوله: (وَلَاْ يُقْبَلُ حَدِيْثُ مُبْهَمٍ)؛ أي: راوٍ غيرِ معروفٍ، ولو قيل عنه: حدَّثني الثقة، أو مَن لا أتهمه، إلَّا إنْ كانَ من إمامٍ راو عنه، ومحل ذلك إنْ لم يكن ذلك الراوي صحابيًّا، وإلَّا فلا يضر إبهامه كما سبق؛ لأنَّ الصحابة كلهم عدولٌ كما سبق.

قوله: (وَمَنْ أُبْهِمَ اسْمُهُ لَاْ يُعْرَفُ اسْمُهُ لَا يُعْرَف)، فيه: من الرِّكَّة ما لا يخفى، وفي نسخة: (ومَن أبهم اسمه لا يعرف فكيف … ) إلى آخره، وعبارة «النخبة وشرحها»: ولا يقبلُ حديثٌ مُبهَم ما لم يسمَّ؛ لأنَّ مِن شرطِ قبول الخبر عدالة راويه، ومَن أُبهم اسمه لا تُعْرف عينه فكيف عدالته. انتهى.

ومقتضاهُ أنَّه لو كانت عدالته وعينه معروفتين، وإنَّما جُهِلَ اسمهُ فلا يضرُّ، وبه صرَّحَ في «التدريب» و «شرحه» (٤).

قال: ومَن عُرفت عينه وعدالته وجُهل اسمه ونسبه احتُجَّ به، وفي الصحيحين من ذلك كثير كقولهم: ابن فلان أو والد فلان، وقد جزمَ بذلك الخطيب في «الكفاية»، ونقله عن القاضي أبي بكر الباقلاني، وعلَّله بأنَّ الجهل باسمه لا يخلُّ بالعلم بعدالته، ومَثَّلَهُ بحديثِ ثُمَامَة: «سَأَلْتُ عَائِشَةَ عن النَّبِيذِ؟ فَقَالَتْ: هَذِهِ خَادِمُ رَسُوْلِ الله -لَجَارِيَةٍ حَبَشِيَّةٍ- فَسَلْهَا … » الحديث. انتهى.

قوله: (وَلَاْ يُقْبَلُ مَنْ بِهِ بِدْعَةُ كُفْرٍ)؛ أي: لا يحتجُّ بحديثه، وهو كما في «شرح المهذب» المُجَسِّم، ومن يُنكر العلمَ بالجزئيات، قيل: وقائل خلق القرآن كما نصَّ عليه الشافعي واختاره البُلقيني، وظاهرُ إطلاق الشارح أنَّ كلَّ كافرٍ ببدعةٍ يُرَدُّ، قال شيخ الإسلام: والتحقيقُ أنَّهُ لا يردُّ كُلُّ مُكَفَّر ببدعته؛ لأنَّ كلَّ طائفة تدَّعِي أن مُخالفتها مُبتدِعة، وقد تُبالغ فتُكَفِّرُ، فلو أُخِذَ ذلكَ على الإطلاق لاستلزمَ تكفيرَ جميعِ الطَّوَائف، قال: والمعتمدُ أن الذي تُرَدُّ روايته مَن أنكر أمرًا متواترًا من الشرع، معلومًا من الدين بالضرورة أو اعتقد عكسه، أمَّا من لم يكن كذلك وكان ضابطًا لما يرويه مع ورعه وتقواه فلا مانع من قبوله.

قوله: (أَوْ يَدْعُو إِلَى بِدْعَةٍ)؛ أي: أو لم تكن بدعته بدعة كفرٍ


(تعليق موسوعة البخاري):
(١) في المطبوع: الرافعي.
(٢) في المطبوع: بن بشر.
(٣) في المطبوع: بن الخطيب.
(٤) صوابه: في «التقريب وشرحه».

<<  <   >  >>