للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والضَّعيف: ما قَصُر عن درجة الحسن، وتتفاوت درجاته. في الضَّعف بحسب بُعده من شروط الصِّحَّة.

والمُسنَد: ما اتَّصل سنده من راويه إلى منتهاه رفعًا ووقفًا.

تابعًا أو شاهدًا له لا على أنَّه أصلٌ مقصودٌ بذاته.

قوله: (مَا قَصُرَ عَنْ دَرَجَةِ الْحَسَنِ) وأَوْلَى عن درجة الصَّحيح.

قوله: (وَتَتَفَاوَتُ مَرَاتِبُهُ … ) إلى آخره، وذلك؛ لأنَّ شروط القبول الشَّامل للصَّحيح والحسن وهي: الاتِّصال، والعدالة، والضَّبط، وعدم الشُّذوذ، وعدم العلَّة، والمتابعة في المستور بالنَّظر إلى انتفائها انفرادًا واجتماعًا، يتفرَّع منها أقسام أوصلها العراقيُّ إلى اثنين وأربعين، والبستيُّ إلى تسعة وأربعين، وزاد على ذلك شيخ الإسلام حتَّى أوصلها إلى ثلاثمئة وأحد وثمانين، ونوَّع ما فَقَد الاتِّصال إلى المرسل، والمنقطع، والمعضل، بالنَّظر لكون السَّاقط صحابيًّا أو غيره وكونه واحدًا أو أكثر، وما فقد العدالة إلى ما في سنده ضعيف، أو مجهول عينًا أو حالًا، أو كذَّاب، أو فاسق، أو متَّهم، أو مبتدع، قال ابن حجر: وحصرُ ذلك مع كثرة التَّعب فيه قليل الفائدة لكن اشتهر تلقيب تسعة منها، وهي: المرسل، والمُعضل، والمنقطع، والمُعَلَّل، والمقلوب، والشَّاذُّ، والمضطرب، والموضوع، والمُنْكر.

وعُلِمَ ممَّا تقرَّر: أنَّ الضَّعيف تتفاوت مراتب ضعفه بحسب خفَّة ضعف رواته وشدَّتهم وبحسب ما اجتمع فيه فَقْدُ شرطٍ أو أكثر، فمنه أوهى، كما أنَّ في الصَّحيح أصحُّ.

قال الحاكم: فأوهى أسانيد الصِّدِّيق: صدقة عن فرقد عن مُرَّة عنه.

وأوهى أسانيد أهل البيت: عمرو بن شمَّر عن جابر الجعفيِّ عن الحارث الأعور عن عليٍّ.

وأوهى أسانيد العمريِّين: محمد بن عبد الله بن القاسم (١) عن أبيه عن جدِّه.

وأوهى أسانيد أبي هريرة: السَّري بن إسماعيل عن داود بن يزيد عن أبيه عنه.

وأوهى أسانيد عائشة: الحارث بن شبل عن أم النعمان عنها.

وأوهى أسانيد المكيِّين: عبد الله بن ميمون عن شهاب بن خِراش عن إبراهيم بن يزيد عن عكرمة عن ابن عبَّاس.

وأوهى منها: السُّدِّيُّ الصَّغير عن الكلبيِّ عن أبي صالح عنه، قال شيخ الإسلام: وهذه سلسلة الكذب لا سلسلة الذَّهب. انتهى.

إذا أردتَ رواية الضَّعيف بغير إسنادٍ فلا تقل: قال رسول الله كذا وما أشبهه من صيغ الجزم، بل رُوي عنه كذا أو بَلغنا عنه أو وَرد عنه أو جاء أو نُقل عنه أو نحو ذلك من صيغ التمريض، وكذا ما شكَّ في صحَّته وضعفه، بخلاف الصَّحيح فيُذكر بصيغة الجزم ويَقبح فيه صيغة التَّمريض عكس ذلك.

تنبيه: ويجوزُ رواية ما سوى الموضوع من الضَّعيف والعمل به من غير بيان ضعفهِ في غير صفاته تعالى وفي غير الأحكام كالحلال والحرام وغيرهما، وذلك كالقَصَصِ والمواعظِ وفضائل الأعمال وغيرها ممَّا لا تَعَلُّقَ لهُ بالعقائد والأحكام، كذا ذكر ابن الصَّلاح وزاد شيخ الإسلام ثلاثة شروط:

أحدها: أن يكون الضَّعفُ غير شديدٍ فيخرجُ من انفردَ من الكذَّابين ومن فَحُش غلطه.

الثَّاني: أن يندرج تحت أصلٍ معمول به.

الثَّالث: أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته بل يعتقد الاحتياط، وهذا هو المعتمد، وقيل: لا يجوز العمل به مطلقًا، وقيل: يُعمل به مطلقًا، وعُزي إلى أبي داود وأحمد؛ رَأَيَا ذلك أقوى من رأي الرجال، أما الموضوع فلا يجوزُ العمل به مطلقًا إجماعًا.

قوله: (ما اتَّصَلَ سَنَدُهُ)؛ أي: ولو ظاهرًا فيدخلُ ما فيه انقطاع ظاهر، كسقوط صحابي أو غيره منه، أو خفيٍّ كعنعنة المُدَلِّس والمُعاصر الذي لم يثبتْ لُقِيُّهُ.

قوله: (إِلَى مُنْتَهَاهُ)؛ أي: سواءٌ انتهى إلى النَّبيِّ أو الصحابي أو من دونه، وهذا قول الخطيب.

وقوله: (رَفْعًا وَوَقْفًا)؛ أي فيدخل فيه الموقوف وهو قول الصحابي، وكذا يدخل فيه المقطوع

وهو قول التابعي مثلًا، قال العراقي: وكلامُ أهل الحديث يأباه؛ أي: فيكون هذا التعريف غير مانع، ولم يمنعه ابن الصلاح كليًا، بل قال: أكثر ما يستعمل فيما جاء عن النَّبيِّ دون غيره، فإنَّ الأكثر فيما جاء عن الصحابة استعمال الموقوف، وفيما جاء عن التابعين فمن بعدهم استعمال المقطوع، ويقلُّ فيهما استعمال المسند.

وقال ابن عبد البر في «التمهيد»: هو ما جاء عن النَّبيِّ خاصةً متصلًا كان؛ كمالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن رسول الله ، أو منقطعًا؛ كمالك، عن الزهري، عن ابن عباس عن رسول الله ، قال: فهذا مُسْنَدٌ؛ لأنَّه أُسند إلى رسول الله ، وهو منقطع؛ لأنَّ الزهري لم يسمع من ابن عباس، وعلى هذا يستوي المسند والمرفوع، قال شيخ الإسلام: يلزم عليه أن يَصْدق على المرسل والمعضل والمنقطع إذا كان مرفوعًا ولا قائل به. انتهى.

وقال الحاكم وغيره: لا يستعمل إلَّا في المرفوع المتصل بخلاف الموقوف والمرسل والمُعْضَل والمدلَّس. انتهى.

وجزمَ به شيخ الإسلام، ثم قال: والقائل به لَحَظَ الفرق بينه وبين المتصل والمرفوع من حيث إنَّ المرفوع يُنْظَرُ فيه إلى حال


(١) تعليق موسوعة البخاري: محمد بن القاسم بن عبد الله. والتصحيح من «تدريب الراوي».

<<  <   >  >>