وحديث المغيرة: «كان أصحاب رسول الله ﷺ يقرعون بابه بالأظافير»، صوَّب ابن الصَّلاح رفعه، وقال الحاكم: موقوفٌ، وقول التَّابعيِّ فمن دونه: يرفعه أو رفعه أو مرفوعًا أو يَبْلُغ به أو يرويه أو يَنْمِيه -بفتح أوَّله وسكون ثانيه وكسر ثالثه- أو يسنده أو يأثره؛ مرفوعٌ بلا خلافٍ، والحامل له على ذلك الشَّكُّ في الصِّيغة التي سمع بها، أَهِيَ: قال رسول الله ﷺ، أو النَّبيُّ، أو نحو ذلك، كسمعت أو حدَّثني؟ وهو ممَّن لا يرى الإبدال، أو طلبًا للتَّخفيف وإيثارًا للاختصار، أو للشَّكِّ في ثبوته أو ورعًا، حيث علم أنَّ المرويَّ بالمعنى فيه خلافٌ، وفي بعض الأحاديث قول الصَّحابيِّ عن النَّبيِّ ﷺ: يرفعه، وهو في حكم قوله عن الله تعالى، ولو قال تابعيٌّ: «كنَّا نفعل» فليس بمرفوعٍ ولا بموقوفٍ إن لم يضفه لزمن الصَّحابة، بل مقطوعٌ. فإن أضافه لِزَمنهم احتمل الوقف؛ لأنَّ الظَّاهر اطِّلاعهم عليه وتقريرهم، واحتمل عدمه؛ لأنَّ تقرير الصَّحابيِّ قد لا يُنسَب إليه، بخلاف تقريره ﷺ، وإذا أتى شيءٌ عن صحابيٍّ موقوفًا عليه ممَّا لا مجال للاجتهاد فيه؛ كقول ابن مسعودٍ: «من أتى ساحرًا أو عرَّافًا فقد كفر بما أُنزِل على محمَّدٍ ﷺ» فحكمُه الرَّفعُ؛ تحسينًا للظَّنِّ بالصَّحابة، قاله الحاكم.
والموصول -ويسمَّى المتَّصل-:
وخَرَجَ بِما تعلَّقَ بسبب النزول ما لم يتعلق به من التفسير فهو موقوفٌ، كما روي عن أبي هريرة في تفسير قوله تعالى: ﴿لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ﴾ [المدثر: ٢٩]، قال: (تَلْقَاهُم جَهَنَّمُ يَوْمَ القِيَامَةِ فَتَلْفَحُهُم لَفْحَةً فَلَا تُبْقي لَحْمًا عَلَى عَظْمٍ)، قال الحاكم: فهذا وأمثاله يعدُّ في تفسير الصحابة من الموقوفات. انتهى.
وينبغي تقييده بغير ما يتعلق بأحوال الآخرة وغيرها مما لا يُقال من قبل الرأي، فقد ذكر في «شرح التقريب» أنَّ أحوال الآخرة والإخبار عن الأمور الماضية من بدء الخلق وأخبار الرسل وكذا الآتية كالملاحم والفتن، وما يحصل بفعله ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص؛ إذا جاء شيء منها عن صحابي لم يأخذْ عن أهل الكتاب فإنَّه يُنَزَّل على أنَّه سمع ذلك من النَّبيِّ ﷺ، فيكون مرفوعًا، بل صَرَّحَ الرازي بأنَّ كلَّ ما جاء عن الصحابي ممَّا لا يقال من قبل الرأي ولا مجال للاجتهاد فيه يُحمل على السماع كما سيأتي للشارح. قال الزركشي: ومن المرفوع حكمه؛ -أي: الصحابي- على فعلٍ من الأفعال بأنَّه طاعة لله أو لرسوله أو معصية كقوله: «من صَامَ يوم الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ ﷺ». انتهى.
وما قاله البُلْقَيني من أَنَّهُ ليسَ بمرفوع لجواز إحالة الإثم على ما ظهرَ من القواعد، لا يظهر له رواجٌ عند التأمل، لِمَا أَقْرَّينَا به عينك من النقول وأنعمناك به من التحقيق المقبول.
قوله: (كَانَ أَصْحَابُ رَسُوْلُ الله ﷺ؛ أي: فهو كقوله: كنا نفعل كذا … إلى آخره.
قوله: (وَحَدِيْثُ الْمُغِيْرَةِ)؛ أي ابن شعبة، قال شيخ الإسلام: تَعِب الناس في التفتيش عليه من حديث المغيرة فلم يظفروا به. انتهى.
أقول: هو مذكور في البخاري في الأدب من حديث أنس، لكن أخرجه البيهقي في المدخل عن المغيرة ثم أشارَ بعده إلى حديث أنس.
قوله: (صَوَّبَ ابْنُ الصَّلَاحِ رَفْعَهُ) قال: بل هو أحرى باطِّلاعه ﷺ عليه. انتهى. والضمير في رفعه لحديث المغيرة المذكور لا كلَّ ما سبق من قوله كقول الصحابي أنا أشبهكم … إلى آخره، كما قد يُتوهم، وإلا فالحاكم قائلٌ بالرفع لا الوقف فيما تعلَّقَ بسببِ النزول كما علمت.
قوله: (وَقَالَ الحاكمُ مَوْقُوْفٌ)؛ أي: حيثُ قال ليس بمسند، قال الخطيب: تأولناه على أنَّه ليس بمسند لفظًا، وإنَّما جعلناه مرفوعًا من حيث المعنى. انتهى.
قوله: (يَرْفَعُهُ) هو مقولُ القول وذلك أنَّه بعد أن يذكر السند منتهيًا إلى الصحابي فمن دونه يقول ما ذكر، فالضمير في يرفعه للصحابي فمن دونه، كقول البخاري: عن ابن عباس يرفعه: «الشِّفَاءُ في ثَلَاثَةٍ: شَرْبَةِ عَسَلٍ، وَشَرْطَةِ مِحْجَمٍ، وَكَيَّةِ نَارٍ».
قوله: (أو يرويه) ومثله: رواه، بلفظ الماضي، ورواية بلفظ المصدر، كحديث الأعرج، عن أبي هريرة رواية: «تُقَاتِلُونَ قَوْمًا صِغَارَ الْأَعْيُنِ»، خرَّجه البخاري.
قوله: (أَوْ يَنْمِيْهِ) من نَمَيْتُ الولدَ إلى أبيه نميًا: نسبته إليه، وذلك كما في «الموطأ» عن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي قال: «كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُوْنَ أَنْ يَضَعَ الرَّجْلُ يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ اليُسْرَى فِيْ الصَّلَاةِ»، قال أبو حازم: لا أعلمُ إلَّا أنَّه يَنْمِي ذلك أو يأثُره، بضم المثلثة من أثرت الحديث؛ نقلته.
قوله: (مَرْفُوْع)؛ أي: مع كونه مرسلًا، فيقال: مرفوع مرسل، وإذا كان ما ذكر من التابعي مرفوعًا فمن الصحابي أولى، لكن لا يُقال له مرسل.
قوله: (عَلَى ذَلِكَ)؛ أي: التعبير بالألفاظ المذكورة، دون أن يقول: قال رسول الله ﷺ، هذا جواب لما ذكره بعضهم من أنَّه إن كان مرفوعًا فلم لا يقولون فيه: قال رسول الله ﷺ كما سبق.
قوله: (مِمَّنْ لَاْ يَرَى الإِبْدَالَ)؛ أي: إبدال لفظ النبي بالرسول أو نحوه، وإبدال لفظ سمعت بحدثني أو نحوه، فإنَّ في جواز ذلك خلافًا.
قوله: (أَوْ لِلْشَكِّ فِيْ ثُبُوْتِهِ)؛ أي: عند القائل ذلك، فإنَّه لو قال: قال رسول الله ﷺ … إلى آخره، كان جازمًا برفعه فلما كان شاكًّا في ذلك نسب الرفع إلى غيره، فقال: يرفعه أو نحوه.
قوله: (عن النَّبيِّ ﷺ؛ أي: قول الصحابي ذلك حكايةً عن النَّبيِّ ﷺ.
وقوله: (وهو في الحكم … ) إلى آخره؛ أي: فهو من الأحاديث القدسية، وكذا قوله عنه ﷺ: يرويه؛ أي: عن ربه ﷿.
قوله: (فَلَيْسَ بِمَرْفُوْعٍ)؛ أي: مُطلقًا، أضافه لِزَمن الصحابة أم لا.
وقوله: (وَلَاْ بِمَوْقُوْفٍ إِنْ لَمْ … ) إلى آخره؛ أي: قطعًا، فقوله: (إن لم) راجعٌ لقوله: (ولا بموقوف).
قوله: (فَإِنْ أَضَافَهُ … ) إلى آخره، ولو قال: كانوا يفعلون، فقال النووي في «شرح مسلم»: لا يدلُّ على فعلِ جميع الأمة بل البعض فلا حجةَ فيه إلَّا أنْ يُصَرِّحَ بنقله عن أهل الإجماع فيكون نقلًا له، وفي ثبوته بخبر الواحد خلاف.
قوله: (وَيُسَمَّى المُتَّصِل)؛ أي: والمؤتصل أيضًا، بالفك والهمز.
وقوله: (مَا اتَّصَلَ سَنَدُهُ) قال ابن الصلاح: أي: بسماعِ كل واحد من رواته ممن فوقه إلى منتهاه، سواء كان انتهاؤه له ﷺ