للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

موجبٌ للضَّعف؛ لإشعاره بعدم ضبط الرَّاوي.

والموضوع: هو الكذب على رسول الله ، ويُسمَّى المُختلَق الموضوع، وتحرم روايتُه مع العلم به

أنس … إلى آخره، قال ابن عبد البر: أكثر رواية حُميد عن أنس إنَّما سمعها من قَتادة.

ويُؤيدُ ذلك أنَّ ابن عَدي صَرَّحَ بذكر قتادة بينهما في هذا الحديث فتبينَ انقطاعها، ورواه الوليد عن الأَوْزَاعي أيضًا، والوليد كان يُدلسُ تدليس التسوية وإن كان قد صرحَّ بسماعه من شيخه وإن ثبتَ أنَّه لم يُسقط بين الأَوْزَاعي وقَتادة أحدًا، فقَتادة وُلِدَ أَكْمَه فلا بدَّ أن يكون أملى على مَن كتب إلى الأوزاعي ولم يُسَمَّ هذا الكاتب كما سلف.

قوله: (مُوْجِبٌ لِلضَّعْفِ) قال شيخ الإسلام: وقد يُجَامِعُ الصِّحة وذلك بأنْ يقع الاختلاف في اسم رجل واحد وأبيه ونسبته ونحو ذلك، ويكون ثقةً فيُحكم للحديث بالصحة ولا يضرُّ الاختلاف فيما ذكرَ مع تسميتهِ مُضطربًا، قال: وفي الصحيحين أحاديث كثيرة بهذه المثابة، وكذا جزم الزركشي بذلك في مختصره فقال: وقد يَدخل القلب والشذوذ والاضطراب في قسم الصحيح والحسن.

قوله: (لإِشْعَارِهِ بِعَدَمِ ضَبْطِ الرَّاوِي)؛ أي: الذي هو شرطٌ في الصحة والحُسن.

قوله: (وَالمَوْضُوع … ) إلى آخره، مشتقٌ من الوضع وهو الحطُّ، سُمِي الحديثُ المذكور بذلك لانحطاط رتبته دائمًا بحيث لا ينجبر أصلًا، وإنَّما أوردوه في علم الحديث مع أنَّه ليس منه نظرًا إلى زعم واضعه، وهو شرُّ أنواع الضعيف لكونه كذبًا عليه ، وقد ورد: «وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ من النَّارِ»، ويليهِ المتروك ثم المنكر ثم المُعلَّل ثم المُدرج ثم المَقلوب ثم المُضطرب كذا رتَّبَهُ شيخ الإسلام.

وقال الزركشي: ما ضَعْفُهُ لا لعدمِ اتصاله سبعة أصناف شرُّهَا الموضوع، ثم المدرج، ثم المقلوب، ثم المنكر، ثم الشاذ، ثم المعلل، ثم المضطرب، قال الجلال: وهذا ترتيبٌ حسن، وينبغي جعل المتروك قبل المدرج، وأن يقال فيما ضعفه لعدم اتصال سنده: شرُّهُ المُعضل، ثم المُنقطع، ثم المدلَّس، ثم المرسل، أقول: وقد ضبطتُ ذلك على ما استحسنه الجلال مع جعل المتروك كما قال، فقلت:

شرُ الأحاديثِ ممَّا جاءَ متصلًا … وضعٌ فتركٌ فإدراجٌ فما قُلِبَا

نُكْرٌ شُذوذٌ فمعلولٌ فمضطربٌ … وغيرُ ذلكَ مَا للعضلِ قدْ نُسبا

كذاكَ منقطعٌ ثمَّ المدلَّسُ فالذِي … أتى مُرسلًا فاحفظْ تَحز رتَبَا

قوله: (هُوَ الكَذِبُ)؛ أي: المكذوب -مصدر بمعنى اسم المفعول- وقوله: (على رسول الله ؛ أي: من قول أو فعل أو تقرير أو نحو ذلك، وقضية التقييد برسول الله أنَّ المكذوبَ على الصَّحابي والتابعي لا يُسمى موضوعًا.

قوله: (وَيُسَمَّى المُخْتَلَقُ) بفتح اللام بعدها قاف؛ أي: المبتكر الذي ابتكرهُ الواضع من قِبَلِ نَفْسِهِ وليس له نسبةٌ بالنبي .

وقوله: (المَصْنُوْعُ)؛ أي: الذي صنعه قائله، وفي نُسخ: (الموضوع) وحينئذٍ فيكون الموضوع في

الأول بالمعنى الاصطلاحي، وفي الثاني بالمعنى اللغوي أو العكس (وتحرمُ روايته)؛ أي: على مَن عَلِم أو ظنَّ أنَّه موضوع، سواء كان في الأحكام أو في غيرها، كالمواعظ والقصص والترغيب إلَّا مع بيانِ وضعه، لقوله : «مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بحديثٍ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذبَينَ» رواه مسلم، ومعنى (يرى أنَّه كذب): يعلم ذلك، بمعنى أنَّه عامدٌ ليس بناسٍ ولا بغالطٍ، فهو بمعنى: «وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا»، فقيَّدَ بذلكَ ليُفيد أنَّه لا إثمَ على الناسي والغالط، فتُحمل الروايات المطلقة على هذا، و (الكذَّابين) قال شيخ الإسلام: بالتثنية والجمع، فعلى التثنية: الكذابان واضعه وناقله، وعلى الجمع يكون المعنى أحدُ الكذابِين المشهورين بالكذب.

وهو من الكبائر، حتى قال الجويني من أئمة أصحابنا: يَكفر متعمده ويُراقُ دمه، والجمهور أنَّه لا يكفر إلَّا إن استحلَّه وإنَّما يفسقُ وتُرَدُّ رواياته كُلها ويَبطل الاحتجاج بجميعها، فلو تاب؛ الجمهور أنَّه لا تؤثر توبته ولا تُقبل روايته أبدًا بل يتحتم جرحه أبدًا، قال النووي في «شرح مسلم»: ولم أرَ دليلًا لمذهب هؤلاء، ويجوز أن يُوجَّه بأنَّ ذلك تغليظًا وزجرًا لِعظم مفسدةِ هذا، فإنَّه يصير شرعًا مستمرًا إلى يوم القيامة، بخلاف الكذب على غيره، وبخلاف الشهادة، فإنَّ مفسدتها قاصرة، ومع ذلك فالمختار القطعُ بصحة توبته وقبول روايته بعدها، وقد أجمعوا على صحة رواية مَن كان كافرًا وأسلم، وأكثر الصحابة كانوا كذلك وأجمعوا على قبول شهادته، ولا فرق بين الرواية والشهادة في هذا. انتهى.

وسيأتي عن السيوطي ما يُصادمه.

وكما تحرم روايته يحرمُ وضعه مطلقًا بإجماعِ مَن يُعتد بإجماعه خلافًا للكرَّامية -قومٌ من المبتدعة فنسبوا لمحمد بن كِرَام بتخفيف الراء على التحقيق

<<  <   >  >>