للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى بيدمر يأمره بتحصيل ابن البرهان ومَن وافقه على رأيه وأمره أن يسمرهم؛ فتورع بيدمر عن ذلك وأجاب الشفاعة فيهم والعفو عنهم وأنَّ أمْرهم تلاشى، وإنَّما هم قوم خفَّتْ أدمعتهم من الدرس ولا عصَبِية لهم، ووَجد ابن الحمصي الفرصةَ لعداوته لبيدمر فكاتَبَ السلطان أن بيدمر قد عزم على المخامرة، فوصَل إليه الجواب بمسْك ابن البرهان ومَن كان على مثل رأيه وإن آل الأمرُ في ذلك إلى قَتْل بيدمر.

ولما حضر ابن البرهان إلى السلطان استدْناه واستفهمه عن سبب قيامه عليه، فأعْلَمه أن غرضه أن يقوم رجل من قريش يحكم بالعدْل، وأعلمه أن هذا هو الدين ولا يجوز غيره وزاد في ذلك، فسأله عمَّنْ معه على مِثْل رأيه من الأمراء فبر أهم فأمر بضربه، فضُرب هو وأصحابه وحُبِسوا بالخزانة المعدة لأهل الجرائم، وذلك في ذي الحجة ثمانٍ وثمانين [وسبعمائة]، ثم أفرج عنهم في ربيع الأول سنة إحدى وتسعين، فاستمر ابن البرهان مقيمًا بالقاهرة على صورة؛ ومات في أربعٍ بقين من جمادى الأولى من هذه السنة وحيدًا فريدًا غريبًا، وحضَرْتُ جنازته والصلاة عليه في نحو سبعة أنفس لا غير.

وكان [ابن البرهان] حسنَ المذاكرة والمحاضرة، عارفًا بأكثر المسائل التي يخالف فيها أهلُ الظاهر الجمهور، ويكثر "الاختصار" ويستحضر أدلَّتها وما يردّ على معارضيها؛ وأملى هو في الحبس "مسألة رفع اليدين في السجود"، ومسألة "وضع اليمني على اليسرى"، و "رسالة في الإمامة".

سمعْتُ من فوائده كثيرًا، وكان كثير الإنذار بما حدث بعده من الفتن ولا سيما ما حدث من الغلاء والفساد بسبب رخص الفلوس، حتى رأى عندى قديما مرَّة منها جانبا كبيرًا من الفلوس فقال لى: "إحذَرْ أن تقتنيها فإنها ليست رأس مال" فكان كذلك لأنها في ذلك الوقت كان القنطار منها يساوى عشرين مثقالًا فأكثر، وآل الأمر