بقلم الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم رئيس لجنة إحياء التراث
كانت الفترة التي عاش فيها ابن حجر العسقلاني في أخريات القرن الثامن والنصف الأول من القرن التاسع، من أحفل الفترات التاريخية بالعلماءِ، وأزخرها بالمدارس ودور الكتب، وأَملئها بحلقات الدروس ومجالس الفتيا والمناظرات؛ كما كانت هذه الفترة أيضا جزءًا من العصر الذي يطلق عليه مؤرخو الآداب العربية العصر المملوكي؛ وهو العصر الذي غنيت فيه مصر والشام بصنوف المعارف والفنون والآداب؛ بعد أن تقوّض صرح الخلافة العباسية ببغداد، وهجرها العلماءُ والشعراءُ؛ نتيجة لغزوة التتار المعروفة في التاريخ، وهرعوا إلى دمشق وحلب والقاهرة والإسكندرية وقوص؛ وأَخلدوا إلى حياة علمية خصيبة في ظل الملوك والأُمراءِ في هذه البلاد.
ويعدّ الإمام ابن حجر العسقلاني من أبرز العلماء الذين عاشوا في هذه الحقبة؛ كان كوكبهم الساطع، وشيخهم الأَكبر، وإمامهم غير مدافع؛ بما تهيّأ له من الذكاءِ والفطنة والزكانة، وما مكنّت له الحياة في القاهرة - وهي حاضرة العلم وقبة الإسلام إذ ذاك - وما أفاده من رحلاته في الحجاز واليمن والشام، وما شغل به من رفيع المناصب وسنيّ المراتب؛ حتى