ولما ظهر الناصر واستقرّ في السلطنة ثانيا جُهِّز إلى شيخ التقليدُ بنيابة الشام، وإلى نوروز التقليدُ بنيابةِ حلب، وتوجّه ليساعده على مَن يخالفه، وكان دقماق نائبُ حماة وعلانُ نائبُ حلب وبكتمر جلق نائبُ طرابلس قد اتَّفقوا على مَنْع نوروز من ذلك، فالتقى الفريقان فكسرهم شيخ وهجم على حماة من نهر العاصي وغلب عليها، وقُتل دقماق في هذه الموقعة، وفرّ بقية الأُمراء إلى جهة حلب، فتَبِعهم شيخ فنازلهم فتركوها وتوجّهوا نحو المشرق، وتسلَّم حلب وسلَّمها لجكم، ورجع للشام وقد بسط العينتابي وأَظهر التعصّب فيها لجكم لأَنه كان ينتمى إليه، فقال في حوادث ذى الحجة سنة ثمانٍ:"وفيها كانت وقعةُ عظيمة بين جكم وشيخ بالرّستن - بين حماة وحمص - فانكسَر نائبُ الشام شيخُ كسرةً شنيعةً وانهزم إلى أَن وصَل إلى الرّملة، وقد كان جكم وشيخ صديقين، لكن شيخ لما رأى ما اتفق لحكم من النَّصر على ابن صاحب البال - كبير التركمان - وعلى نعير كبير العرب - وقتلهما على يده بعد أَن عَجز عنهما الظاهر وغيرُه حسده وخشي أَن تستمر هذه السعادة إلى أَن يتسلطن، فكاتب فيه الناصرَ أَنَّه عاصٍ، وكلُّ ذلك بدسائس يشبك لأَن شيخًا كان من جهته، وكان يشبك بروم السلطنة فكان يُعادِي كلَّ من يستشعر منه أَنَّه يروم مثل ما يروم، فكان يُحرّضُ أَتباعه على جكم"، قال:"قُتِل في هذه الوقعة من أَتباع شيخ جماعة منهم طولو وعلان وتفرّق شملُ شيخ إلى الغاية حتى لم يبْقَ معه ممَّن كان اجتمع له مِن العسكر - وهم نحو عشرة آلاف - غير مائة لفس". قال:"وكان جكم في هذه الوقعة في دون الأَلفَيْن، لكن، النصر يؤتيه الله لمن يشاء".
* * *
وفيها قَدم ركبُ العراق بعد أَن كان له تسع سنين قد انقطع.
وفيها حاصر العرب المعروفون بالحجافلة مدينة عدن حتَّى عزَّ المساء بها جدًّا، وبلغت الراوية - وهى قَدْر قربة الكتف المصرية - خمسين درهمًا، فخرج إليهم العفيفُ بنُ عبدِ الله بن الوجيه عبد الرحمن العلوي وأَخوه في العسكر فقُتل في المعركة، وكان شابًا حسنًا كثير الفضل للغرباء، أَحسن الله جزاءَه، قُتل في رابع صفر وله ثلاثون سنة.