فأمرَ السلطانُ المحتسبَ أن ينادِىَ بصيام ثلاثةِ أيامٍ أولها الأحد حادى عشره، فصاموا وخرجوا يوم الخميس نصف ربيع الآخر فى الصحراء، فخرج العلماءُ والفقهاءُ والمشايخ والقضاة والعامة، وتوجه الوزير وأُستادار الصحبة إلى تربة الملك الظاهر فنصبوا المطابخ السلطانية وباتوا في تهيئة الأطعمة والخبز، ثم ركب السلطان بعد صلاة الصبح ونزل من قلعة الجبل لابسًا ثيابَ صوف وعلى كتفيه مئزَرُ صوفٍ مسدل، وعليه عمامة صغيرة جدا لها عذبة مرخاة على يساره، وهو يتخشع منكسر النفس، وفرسه بقماشٍ ساذج، فوجد الناسَ قد اجتمعوا، وحضر الجميع مشاة فوقف السلطان بينهم وعجوا بذكر الله، فنزل السلطان عن فرسه وقام على قدميه والقضاة والخليفة والمشايخ حوله وخلفهم من الطوائف ممن يتعسر إحصاؤه، فبسط السلطان يديه وبكى ودعا وانتحب والناس يرون، وبقى على ذلك زمانا طويلا، ثم توجه إلى جهة التربة فنزل وأكل وذبح بيده مائة وخمسين كبشا سمينا، وعشر بقرات وجاموستين وجملين، وهو يبكي ودموعه تنحدر بحضرة الناس على لحيته، وترك الذبائح مضطجعةً كما هي وركب إلى القلعة، فتولى الوزير وأُستادار الصحبة تفرقتها على الجوامع والخوانك والزوايا، وقُطع منها شئ كثير ففُرِّق على من حضر من الفقراء، وفرق من الخبز نحوا من ثلاثين ألف رغيف، وبعث إلى السجون عدة أرغفة وقدور أطعمة، واستمر الناس في الخشوع والخضوع إلى أن اشتد حرّ النهار فانصرفوا، فكان يوما مشهودًا لم يتقدم له نظير إلا ماجرت العادة به في الاستسقاء، وهذا زعموا أنه لاستكشاف البلاء، فيسر الله عقب ذلك رفع الوباء، فبلغ عدة من يرد الديوان من الأطفال خاصة -من صفر إلى سلخ ربيع الآخر- نحو أربعة آلاف طفل ومن جميع الناس سواهم قدر أربعة آلاف أُخر، وأكثر ما انتهى إلى ثمانمائة في الديوان، ويقال جاوز الأَلف والمائتين.
* * *
وفي ربيع الآخر اتفقت مصر كائنة عجيبة وهي أن شخصا كان له أربعة أولادٍ ذكور، فلما وقع الموت في الأطفال سألته أُمه أن يختنهم ليفرح بهم قبل أن يموتوا، فجمع الناس لذلك على العادة وأحضر المزين، فشرع فى ختن واحد بعد الآخر، وكل من يختن يسقى