للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصغير" لسعد الدين أَيضا وكتب عليه شيئا سمّاه "سُبك النضير في حواشي الشرح الصغير"، ونظر فى كل شئ حتى في الأشياء الصناعية كلِعْبِ الرمح ورمْي النشاب وضرْب السيف والنفط حتى الشعوذة حتى فى علم الحرف والرمل والنجوم، ومهر فى الزيج وفنون الطبّ، وكان من العلوم بحيث يُقْضى له في كل فن بالجمع؛ هذا مع الانجماع عن بني الدنيا وتَرْكِ التعرض للمناصب، وقد نفق له سوق فى الدولة المؤيدية وهاداه السلطان عدّة مرار بجملة من ومع ذلك كان يمتنع من الاجتماع به ويتغير إذا عُرِض عليه ذلك.

وحضر معنا المجلس المعقود للهروى في السنة الماضية فلم يتكلم في جميع النهار كله مع التفاتهم إليه واستدعائهم منه الكلام، حتى سأَله السلطان في ذلك المجلس عن تصنيفه في لعب الرمح فجحد أن يكون صنَّف فيه شيئًا، وكان يبرّ أصحابه ويساويهم في الجلوس ويبالغ في إكرامهم، وكان لا يتصوّن عن مواضع النُّزه والمتفرجات ويمشى بين العوامّ، ويقف على حلق المنافقين ونحوهم (١)؛ ولم يتزوّج فيها علمْتُ، بل كانت عنده زوجة أبيه فكانت تقوم بأَمر بيته ويبرّها ويحسن إليها، ولم يتَّفق له أن حجّ مع حِرْص أصحابه له على ذلك، وكان يُعاب بالتزيّي بزىّ العجم من طول الشَّارب وعدم السّواك حتى سقطت أسنانه، وبلغني أنه كان يديم الطهارة فلا يُحدِث إلَّا توضَّأ، ولا يترك أحدًا يستغيب عنده أحدًا، هذا مع ما هو فيه من محبة الفكاهة والمزاح واستحسان النادرة.

لازمْتُه من سنة تسعين إلى أن مات، وكان يودّني كثيرا ويشهد لي في غيبتيّ بالتقدّم ويتأَدّب معى إلى الغاية مع مبالغى في تعظيمه حتى كنتُ لا أُسمّيه في غيبته إلا "إمام الأئمة"، وقد أقْبلَ في الأخير على النظر في كتب الحديث، واستعار من ابن العديم "تخريج أحاديث الرافعي" الكبير لشيخنا ابن الملقن وهو في سبع مجلدات فمرّ عليه كله


(١) أمامها في هامش هـ بخط إبراهيم البقاعي: "حدثني الشيخ محب الدين محمد بن مولانا زاده الشهير بابن الأقصر الى الحنفى إمام السلطان -وكان محمد ممن لازم الشيخ عز الدين كثيرًا- أنه رأى رجلا تكروريا اسمه الشيخ عثمان ماغفا -بالغين المعجمة والفاء- ورد إلى القاهرة (وكان له) عشرة بنين رجال، فأتى بهم إلى الشيخ عز الدين للاستفادة فقرأ عليه كتابًا فكان إذا قرر له مسألة ففهمها وقف ودار ثلاث دورات على شبه الراقص ثم انحنى الشيخ على (هيئة) الراكع وجلس، فإذا جلس قام بنوء العشرة بعده ففعلوا مثل فعله. كتبه البقاعي".