للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم في سادس عشر جمادى الآخرة قدم صلاح الدين بن ناظر الخاص إِلى الإسكندرية لتحصيل ما بها من المال، فبينما هو في مجلسه وبين يديه أَعيانُ البلد إِذْ أَسرَّ إِليه شخصٌ أَن الفرنج الذين وصلوا في ثمانية راكب قد عزموا على أَن يهجموا عليْه ويأْسروه فلم يكذب الخبر وقام مسرعًا، فتسارع الناسُ فسقط فانكسرت رجْلُه وحُمل إِلى داره ثم أُركب إِلى النيل، ثم ركب إِلى أَن وصل إِلى القاهرة منزعجًا.

وهَجَم الفرنج عقب صنيعه ذلك، فكاثروا أَهلَ البلد حتى أَغلقوا باب البحر فعاثوا فيمن هو خارج الباب من المسلمين فقتلوا منهم عشرين رجلًا وأَسروا جماعة تزيد على السبعين، وأَخذوا ما ظفروا به وصعدوا مراكبهم، ثم حاصروا البلد فتراموا بالسهام جميعَ الليل، فأَخذ كثير من المسلمين في الفَرار من الإسكندرية، وقام الصّياح على فَقْد من قُتل وأُسِر، فاتفق قدوم مركبٍ من المغاربة ببضاعةٍ فمال الفرنج عليهم وقاتلوهم، فدافعوا عن أَنفسهم حتى أُخذوا عنوةً فضَربوا أَعناقهم، وأَهلُ الاسكندرية يرونهم من فوْق الأَسوار ما فيهم مَنَعَة، ووصل ابن ناظر الخاصّ بعد أَن خرج إِليه أَبوه لما سمع الخبر، وخَرج جماعةٌ (١) من الجند، ثم سار الشيخ أَبو هريرة (٢) بن النقَّاش في أُناس من المطوْعة على نيّة الجهاد في سبيل الله، فقدموا الإسكندرية فوجدوا الفرنج قد أَخذوا ما أَخذوا وصاروا مُقْلِعِين في مراكبهم وفات ما فات.

وفيه نفي كزل العجمي (٣) إِلى غزة ثم إِلى صفد فسُجن بالقلعة واستمرّ إِلى أَن أُطْلق في أَيّام الظاهر ططر في سنة أَربعٍ وعشرين.

وفيها أَحدث الوالى - وهو خرز - على النصارى واليهود - برسم المماليك الذين يركبون في المحمل في رجب - المصادرة لهم على خمر كثير، فتجوّهوا في بعضه ببعض أَهل الدولة فحقد


(١) أمامها في هامش هـ: "الجماعة الذين توجهوا صحبته هم مطر الذي ولى السلطنة ولقب الظاهر والأمير قطلوبغا التنمي ومعهم جماعة من الخاصكية عينهم المؤيد في خدمة ناظر الخاص جقمق نصره الله".
(٢) راجع ما سبق ص ٩٢ حاشية رقم ٥.
(٣) هو كزل العجمي الظاهرى برقوق وأحد اثنين يلقبان بالمعلم، ترقى في أيام أستاذه فكان من الخاصكية ثم البجمقدارية ثم تولى إمرة عشرة ثم أستادارية الصحبة، فلما كانت أيام المؤيد أبقاه على تقدمته ثم نفاه إلى دمشق ثم أمسكه، وتنقلت به الأحوال حتى مات بالفالج سنة ٨٤٩، انظر الضوء اللامع ٦/ ٧٧٩.