الآية المفسرة، وعلى هذا يكون تفسير الآية ١٢ من سورة المؤمن في ج ٢ أن الموقة الأولى للبدن بزوال الحياة عنه، والثانية للنفس يوم ينفخ في الصور، والحياة الأولى هذه الحياة الدنيا، والثانية في الآخرة التي أولها يوم البعث ولا آخر لها.
وقال بعض العلماء إن العلاقة بين الروح والنفس والبدن على أنواع قد تجتمع كلها في حياتنا هذه العادية وتنفرد الروح بالبدن دون النفس حالة النوم، والنوم قد يكون طبيعيا وقد يكون بسبب آخر كالبنج والتنويم المغناطيسى، وقد تتصل النفس بالبدن من غير الروح بعد مفارقة الروح له حالة الموت وتظل سابحة بمفردها في العالم غير المنظور إلى نهاية هذه الحياة الدنيا، وذلك يوم النفخ في الصور المشار إليه بقوله تعالى بالآية ٦٩ من سورة الزمر في ج ٢ ثم تبدأ الحياة الأخرى.
ثم فصلوا هذا فقالوا إن الله تعالى جعل الدور ثلاثا: دار الدنيا ودار البرزخ ودار القرار، ووضع لكل دار أحكاما تختص بها، وركب هذا الإنسان من بدن ونفس وجعل أحكام الدنيا على الأبدان والأنفس تبعا لها، ولذلك جعل أحكام الشريعة مرتبة على ما يظهر من حركات اللسان والجوارح، وإن أضمرت النفوس خلافها، وجعل أحكام البرزخ على الأنفس والأبدان تبعا لها، فكما تبعت النفوس الأبدان في أحكام الدنيا فتألمت لألمها والتذت براحتها وكانت هي التي باشرت أسباب النعيم والعذاب تبعت الأبدان النفوس البرزخ في نعيمها وعذابها، وكما كانت النفوس هنا خفية والأبدان ظاهرة تكون هناك ظاهرة والأبدان خفية في قبورها، وتجري أحكام البرزخ على النفوس التي باشرت أسباب النعيم والعذاب فتسري منها إلى الأبدان.
وضربوا لذلك مثلا بحال النّائم فإن ما ينعم به أو يعذب في نومه يجري على نفسه أصلا والبدن تبعا لها، وقد يقوى حتى يؤثر في البدن تأثيرا مشاهدا، فتراه يقوم من نومه ويضرب ويبطش ويدافع كأنه يقظان وهو نائم لا شعور له بشيء من ذلك، إلا أنه حينما يفيق تراه متأثرا مما يلاقي خيرا كان فيكون منبسط النفس أو شرا فتراه منقبضا منكمشا. والسر في هذا أن الحكم لما جرى على النفس استعانت بالبدن من خارجه ولو دخلت فيه لاستيقظ وأحس كما يقع أحيانا فتراه يقوم مرعوبا من الخوف فيفيق من نومه. ويعلم من هذا أن النفس كما أنها تتألم وتنعم في نومها