ويصل ذلك إلى بدنها بطريق التبعية فكذلك في البرزخ إلا أنه أعظم لأن تجرد النفس هناك أكمل وأقوى وهي متعلقة ببدنها لم تنقطع عنه كل الانقطاع، فإذا كان يوم الحشر في دار القرار تتحد النفوس بأبدانها فيشتركان في الشعور بالعذاب والنعيم ويصير الحكم عليهما مباشرة ظاهرا باديا. وما استدلوا به على التمييز بين النفس والروح قوله تعالى (وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار) الآية ٦٠ من سورة الأنعام ج ٢. وليعلم أن فعل جرح هذا واجترحوا في الآية ٢٠ من سورة الجاثية في ج ٢ لم يكرر في القرآن، وقوله تعالى (الله يتوفى الأنفس) الآية المارة آنفا، أي أنه تعالى ينتزع النفوس من أبدانها التي فقدت الحياة وهي التي لم تمت في منامها أي ينتزع النفوس من أبدانها الحية في منامها فيمسك التي قضي عليها الموت فلا يعيدها لبدنها ويرسل الأخرى أي يعيد نفس النائم إلى بدنه الحي فتبقى فيه إلى بلوغ أجلها المقدر لمفارقتها بدنها. هذا وإن إمساكه تعالى النفس التي قضى عليها الموت لا يمنع ردها إلى جسدها الميت في وقت ردّا عارضا لا يوجب له الحياة المعهودة في الدنيا، فكما أن النائم تكون روحه في جسده وهو حي حياة غير حياة المستيقظ لأنها من غير نفس فلا يحس ولا يشعر مع أنه يتحرك وقد يمشي ويتكلم كما هو مشاهد في بعض الأشخاص، فكذلك الميت إذا أعيدت نفسه إلى جسده كانت له حياة أخرى عكس حياة النائم فإنه يحس ويشعر ولكنه لا يتحرك لأنه من غير روح، وقد وردت آيات وأحاديث تدل على بقاء النفس وتعارفها بعد مفارقة أبدانها إلى أن يرجعها الله تعالى إلى أجسادها في الحياة الأخرى، قال تعالى (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله) الآيات ١٦٩/ ١٧٠/ ١٧١ المارات آنفا، وفي الحديث الذي رواه جرير قال أصحاب رسول الله ما ينبغي لنا أن نفارقك فإذا مت رفعت فوقنا فلم نرك، فأنزل الله (ومن يطع الله ورسوله فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم) الآية ٦٩ من سورة النساء الآتية، كما مر في الآيات المذكورة، وسيأتي في تفسير هذه الآية، وقد ثبت عن رسول الله أن الميت يسمع قرع نعال المشيعين له إذا انصرفوا عنه، وأنه قال: ما من رجل يزور قبر أخيه إلا استأنس به ورد عليه حتى يقوم. وفي حديث آخر لما