والسنة أن النفس ذات قال بنفسها تصعد وتنزل وتتصل وتنفصل وتخرج وتذهب وتجيء وتتحرك وتسكن، وقد وصفها الله تعالى بذلك بآيات متعددة، فقال جل قوله (والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم) وقال (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي) الآيتين المشار إليهما أعلاء وما ضاهاهما من الآيات، مما يدل ذلك، وأن حضرة الرسول سئل عن الروح فأنزل الله (قل الروح من أمر ربي) الآية المارة أيضا، ولم يسأل عن النفس ولم يخبر عنها أنها جوهر أم عرض، وأن قوله تعالى (الله يتوفى الأنفس) الآية ٤٢ من سورة الزمر ج ٢ لأكبر برهان على النفس غير الروح وأن الوفاة بمعنى القبض للنفس، وأنه يفقد عاقليتها
وشعورها، وأما الموت فهو للبدن بانتزاع الروح منه، فيتخلص من هذا كله أن الإنسان مكوّن من جوهرين فقط هما النفس وهي الجوهر الشفاف الذي لا يرى وهي الأصل في الإنسان وهي موضع التكليف والسؤال والثواب والعقاب. الثاني البدن وهو الهيكل الجثماني والمظهر الخارجي لها، وعليه فتكون الروح أمرا خارجيا عن تكوين الإنسان إلا أنه قائم به، ومظهرها الخارجي الحياة، لأن الروح قوة إلهية خصصت لحركة المخلوقات ونحوها، فهي موجودة في كل إنسان وحيوان وشجر، تبعث فيهم الحياة والنشاط، فهي أشبه بقوة الكهرباء، لأن وسائل توليدها ظاهرة ومظهرها في الخارج واضح، إلا أن حقيقتها سرّ من أسرار الله لم يعرف بعد، فقوة الحياة في جميع الخلق واحدة لا تتجزأ، يهبها الله لمن قدرت له الحياة منحة منه تعالى، ولا نعرف إلا أن اسمها الروح وأنها أمر من أمر الله وسر من أسراره الخفية كالذي نفخه بآدم بعد خلقه، والذي نفخ في مريم حتى حملت بعيسى وولدته. هذا وكما وقع الخلاف في معنى الروح اختلفوا في مصيرها، فمنهم من قال إنها تفنى لقوله تعالى (كل شيء هالك إلا وجهه) الآية الأخيرة من سورة القصص في ج ١، ومنهم من قال بخلوها لكونها روحانية خلقت من الملكوت وترجع إليه خالدة لأنها من قوى الله عز وجل، فهي خالدة بخلوده، وإن اتصالها بالإحياء عبارة عن اتصال القدرة بالمقدور. أما النفس فإنها تفنى لأنها مخلوقة ولها بداية وكل ماله بداية له نهاية، قال تعالى (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ