سهيل لا نعرف الرّحمن الرّحيم، لا نعرف إلّا رحمن اليمامة، فهما قيلان لا مستند لهما لأن أبا جهل قتل في حادثة بدر قبل نزول هذه الآية بخمس سنين، وهذه السّورة كلها مدنية، ولم يستثن منها أحد هذه الآية ولا غيرها على القول الصّحيح، ولأن سهيل بن عمرو لم يأت المدينة ولم يقل أحد بأن هذه الآية نزلت عند حادثة الحديبية التي وقعت قبل نزولها بأكثر من سنة «قُلْ» يا سيد الرّسل أن الرّحمن «هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ»(٣٠) أصلها متابي حذف الياء منها للتخفيف أي مرجعي إليه، لأن تاب بمعنى رجع
قال تعالى «وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ» فصارت تمرّ مرّ السّحاب «أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ» فتفجرت عيونا منهمرة بالماء «أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى» فأحياهم ونطقوا بما رأوا، كما رفع الطّور لموسى، ومثل ضربه الحجر فتفجر بالماء، وما وقع لعيسى من احياء الموتى وكلامهم، لكان هذا القرآن جديرا بذلك وقمينا به، لأنه على جانب كبير من الإعجاز، وغاية بالغة من التذكير، ونهاية عالية بالتخويف. وليعلم أن ليس لهؤلاء الخوض بالاقتراح «بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً» إن شاء أظهر على يد رسوله ما اقترحوه، وإن شاء لم يظهر بحسب ما تقتضيه الحكمة وتستدعيه المصلحة وهذه الآية الباهرة متعلقة بقوله تعالى (وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ) المارة. وما قيل أنها نزلت في كفار مكة كأبي جهل وأضرابه حين قالوا لحضرة الرّسول إن سرك أن نتبعك فسيّر جبال مكة إلخ لا يصح لما تقدم من التعليل، ولأن هذا مرّ القول فيه في الآية ٩٣ من الاسراء والآية ٧ من الفرقان في ج ١ فراجعه إن شئت. قال تعالى «أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا» أي (أفلم يعلم) وعليه قوله:
أقول لهم بالشعب إذ يأسرونني ... ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدم
أي ألم يعلموا وقول الآخر:
ألم ييأس الأقوام اني أنا ابنه ... وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا
أي ألم يعلم. «أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً» ولكنهم علموا باعلام الله إياهم أنه لم يشأ لذلك فهم آيسون من هداية كلّ النّاس ومقطوع أملهم من ذلك «وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ» هذه الدّاهية