سوادا بشعا شنيعا لا يقاس بما تراه من تراه من سواد الدنيا فهو نوع مكروه قبيح منتن والعياذ بالله، والجملة من المبتدأ والخبر حال اكتفى فيها بالضمير عن الواو وعلى أن ترى فيها بصرية لا اعتقادية أما إذا كانت عرفانية قلبية فالجملة في محل نصب مفعول ثاني لها «أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ ٦٠» عن آياتي والإيمان برسلي وكتبي، بلى وجاهه فيها منازل شتى الواحد منها أشر من الآخر يأوي إليها أمثال هؤلاء
«وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ» بظفرهم وفلاحهم وبلوغهم المقصد الهنيء الأسنى، لأنهم قطعوا مفازات الجهل بميثاق الطاعات، والمفازة الطريق بالجبل وهي من الأضداد لأنه الطريق الوعر فإذا قطعه فاز بمقعده وبلغ الراحة «لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ» هو كل ما تستاء منه النفس وأعظمه عذاب النار وهو المراد هنا والله أعلم لمناسبة المقام إذ لكل مقام مقال «وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ٦١» على ما فاتهم في الدنيا لأنهم رأوا خيرا منها ولا يصيبهم أذى يؤدي إلى حزنهم ولا ينال قلوبهم غم يسبب حزنهم بل يكونون فرحين مسرورين بما آتاهم «اللَّهُ» ربهم من فضله العميم الواسع كيف لا وهو «خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ» مما هو كائن أو سيكون في الدنيا والآخرة من خير وشر وإيمان وكفر في خلقه لا بطريق الجبر بل بمباشرة المتصف بها والمتعرض لأسبابها، وفي هذه الآية ردّ صريح على المعتزلة ومن نحا نحوهم المنزهين الله عن خلق الشرور وإرادة الكفر، راجع ما يتعلق في هذا البحث في الآية ٤٠ من سورة الأنعام المارة «وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ٦٢» فهو القائم بحفظ الأشياء كلها والمتصرف بها كيف يشاء بمقتضى الحكمة وفق ما هو سابق في علمه، فأمر كل شيء موكل إليه دون منازع أو معارض أو مشارك، وتدل هذه الجملة على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى لأنها لو وقعت بخلقهم لكانت موكولة إليهم فلا حجة للمعتزلة أيضا فيها وهم القائلون بخلق أفعال العبد نفسه.
واعلم أن صدر هذه الأمة لم يختلف في أفعال وأعمال العباد بل كان الخلاف بينهم وبين المجوس والزنادقة في خلق الأمراض والسباع والهوام فبين الله تعالى في هذه الآية أنها كلها من خلقه والشيء الوارد من الآية عام يدخل فيه كل ما يتقولون عنه «لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» مفاتح خزائنها بيده جل جلاله وهما وما بينهما