«وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ» عليهم محيطين بهم ومحدقين صفوفا «مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ» إلى حيث يشاء الله تعالى إذ ذكر لنا ابتداء الغاية وسكت عن المغيا فلا يعلمها غيره لأن عرش الرحمن يكون في عرصات في الأرض، قال تعالى (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ) الآية ١٨ من سورة الحاقة الآتية، وذلك بعد أن تبدل الأرض غير الأرض والسموات، راجع الآية ٤٨ من سورة إبراهيم الآتية، لأن أرضنا هذه لا تحويه وهي بالنسبة له كحلقة ملقاة في فلاة، وقال تعالى:
(وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا) الآية ٢٢ من سورة والفجر المارة في ج ١، وقال تعالى (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا) الآية ٣٨ من سورة النبأ الآتية وهؤلاء الملائكة ديدنهم «يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ» تلذذا لا تعبدا إذ لا تكليف هناك وهذا التسبيح والتحميد من الملائكة بمقابلة أبواق الجند وترتيلاتهم في الدنيا «وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ» من قبل الحق ووضع كل من الفريقين بمنزلته المخصصة له بقضاء قاضي القضاة الأبدي «وَقِيلَ» والقائل والله أعلم المؤمنون «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ٧٥» شكرا على ما أولاهم من هذه الكرامة الأبدية، فالحمد الأول كان على انجاز وعده وإيراثهم الأرض، وهذا الحمد الثاني على القضاء بالحق فلا تكرار، والأول فاصل بين الطرفين بالوعد والوعيد والرضى والسخط، والثاني للتفريق بينهما بحسب الأبدان فريق في الجنة وفريق في السعير، ثم إن الملائكة تحمد الله تعالى أيضا على ذلك القضاء لخلاصهم من تهم ما نسبوه إليهم من العبادة. ويوجد أربع سور مختومة بمثل هذه اللفظة هذه والصافات والقلم وكورت. هذا، والله أعلم، واستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
تفسير سورة المؤمن عدد ١٠- ٦٠- ٤٠
(وتسمى سورة غافر) نزلت بمكة بعد سورة الزمر عدا آيتي ٥٦/ ٥٧ فإنهما نزلنا في المدينة، وهي خمس وثمانون آية، والف ومئة وتسعون كلمة، وأربعة آلاف وتسعمئة وستون حرفا، ويوجد في القرآن سبع سور مبدوءة بما بدئت به، وهي هذه والسجدة والشورى والزخرف والدخان والجاثية والأحقاف، ولا يوجد مثلها في عدد الآي.