الْحَاجَةِ مَا أَلَحَّ عَلَيْهِمْ حَتَّى مَا يَجْبُرُ يَتِيمَنَا، وَلا تَكَفَّلَ أَرْمَلَتَنَا، وَلا يَجِدُ مُحْتَاجُنَا مَا يَسْتَنْفِقُ، وَلا مَا يَلْبَسُ، وَلا يَجِدُ غَارِمُنَا مَا يُؤَدِّي بِهِ غُرُومَتَهُ، وَلا أَعْزَبَنَا مَا يَتَزَوَّجُ بِهِ، وَلا صَرُورَتَنَا مَا يَحُجُّ بِهِ، وَنَحْنُ مِمَّنْ أَوْصَى اللَّهُ بِهِ، وَأَوْجَبَ حَقَّهُ، وَقَدْ أَحْبَبْنَا أَنْ تَصِلَ أَرْحَامَنَا، وَأَنْ تَلْتَمِسَ ثَوَابَ اللَّهِ فِينَا، ثُمَّ تَكَلَّمَ رَجُلٌ بَعْدَ آخَرَ فِي نَحْوٍ مِنْ ذَاكَ الْقَوْلِ، قَالَ: فَبَكَى عُمَرُ حَتَّى إِنِّي لأَنْظُرُ إِلَى دُمُوعِهِ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: حَسْبُكُمْ، فَإِنَّ لَكُمْ عِنْدِي جَوَابًا، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْمِ بْنُ حُذَيْفَةَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ أَوَّلَ مَا نَسْأَلُكَ مِنَ الصِّلَةِ لَنَا اللَّيْلَةَ الصَّبْرُ لَنَا حَتَّى تَأْتِيَ عَلَى آخِرَ حَوَائِجِنَا، فَإِنَّ لِمَنْ بَقِيَ حَاجَةً غَيْرَ حَاجَةِ مَنْ مَضَى، فَصَمَتَ عَنْهُمْ عُمَرُ، فَعَاتَبُوهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ حَتَّى أَجْهَشَ بَاكِيًا وَهُوَ مُنَكَّبٌ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ أَنْ لا يَتَكَلَّمَ أَحَدٌ مِنْكُمْ حَتَّى أُجِيبَكُمْ، فَإِنَّ لَكُمْ عِنْدِي جَوَابًا إِلا أَنْ يَكُونَ لِمَنْ بَقِيَ حَاجَةٌ غَيْرُ الْوَجْهِ الَّذِي أَنْتُمْ فِيهِ، قَالُوا: لا فَوَاللَّهِ مَا حَاجَتُنَا إِلا ذَلِكَ، قَالَ: فَحَمِدَ عُمَرُ
اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَصَلَّى عَلَى نَبِيِّهِ ثُمَّ قَالَ: قَدْ فَهِمْتُ مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ قَرَابَتِكُمْ، وَمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ، وَمَا حَضَّ عَلَيْهِ رَسُولُهُ مِنْ ذَلِكَ، وَمَا تَعَامَلَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ صَدَقْتُمْ مَا قُلْتُمْ، وَأَنْتُمْ مِمَّنْ أُحِبُّ صِلَتَهُ، وَأَنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِنْ أَيْسَرَ قَوْمِي، فَتَغْدُونَ عَلَيَّ بِالْغَدَاةِ، فَأَنَا قَاسِمٌ مَالِي بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَطْرَيْنِ، الشَّطْرُ مِنْهُ لِعُمَرَ وَآلِ عُمَرَ، وَالشَّطْرُ مِنْهُ لَكُمْ، يَلِيهِ ذُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ، فَيَرْفَعُ بِهِ حَاجَتَكُمْ، وَيَضَعُهُ فِي مَوَاضِعِ الْخِلَةِ مِنْكُمْ، فَصَمَتُوا قَلِيلا، ثُمَّ قَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ لِمَالِكَ أَهْلا قَدْ قَصَرْتَهُ عَلَيْهِمْ هُمْ أَوْلَى بِهِ مِنَّا، وَإِنْ نَحْنُ دَخَلْنَا عَلَيْهُمْ فِيهِ قَطَعْنَا رَحِمًا هِيَ أَقْرَبُ مِنْ أَرْحَامِنَا، فَقَالَ لَهُمْ عُمَرُ: فَأَيْشَ تُرِيدُونَ؟ فَقَالَ أَبُو الْجَهْمِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّا نَفَرٌ قَلِيلٌ، فَأَعْطِنَا مِنْ هَذَا الْمَالِ نُنْبِتُ فِيهِ كَمَا يَنْبُتُ الشَّجَرُ، فَقَالَ عُمَرُ: لا حَيَّا اللَّهُ وُجُوهَكُمْ، وَلا قَرَّبَ اللَّهُ دِيَارَكُمْ، فَأَنْتُمْ قَوْمُ السُّوءِ، تَوَسَلْتُمْ إِلَيَّ بِوُجُوهٍ مِنْ وُجُوهِ الْحَقِّ، فَبَذَلْتُ لَكُمْ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ، فَأَبَيْتُمْ ذَلِكَ، وَتَعَدَيْتُمُوهُ إِلَى مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ، فَإِنْ كَانَ مَا طَلَبْتُمْ فِي الْكِتَابِ الْمُنَزَّلِ أَوْ مِمَّا قَالَ النَّبِيُّ الْمُرْسَلِ، أَوْ مِمَّا فَعَلَ الإِمَامُ الصَّالِحُ قَبْلِي فَعَلْتُ ذَلِكَ، وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ أُخَالِفَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسُنَّةَ الإِمَامِ الصَّالِحِ قَبْلِي فَيُخَالَفُ فِي طَرِيقَيْهِمَا، فَلا وَلا نَعْمَةَ عَيْنٍ، قَالَ مَالِكُ بْنُ أَوْسٍ: فَلا وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ رِقَّةً مِنْ رَجُلٍ قَطُّ مِثْلَ رِقَّتِهِ لَهُمْ أَوَّلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute