للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

شهادة القارىء على القارىء- يعني العلماء- لأنهم أشد الناس تحاسداً وتباغضاً.

ومن القائلين بذلك سفيان الثوري ومالك بن دينار وعبد الله بن وهب في "مبسوطته".

واستدل ابن عبد البر بأن السلف تكلم بعضهم في بعض بكلام منه ما حمل عليه الغضب أو الحسد، ومنه ما دعا إليه التأويل واختلاف الاجتهاد، وانتهى إلى كلام أبو معين في الشافعي حتى قال الإمام أحمد: من أين يعرف يحيى بن معين الشافعي؟ هو لا يعرف الشافعي ولا يعرف ما يقوله الشافعي ومن جهل شيئاً عاداه.

كما ذكر ابن عبد السلام بن أبي ذئب وإبراهيم بن سعد بن مالك بن أنس، كما تكلم فيه عبد العزيز أبي سلمة، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، ومحمد بن إسحاق، وابن أبى يحيى وابن أبي الزناد، وعابوا أشياء من مذهبه فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيهاً.

ولا ابن معين في الشافعي، ولا النسائي في أحمد بن صالح "٢٤٨ هـ" لأن هؤلاء أئمة مشهورون فصار الجارح لهم كالآتي بخبر غريب لو صح لتوفرت الدواعي على نقله.

ولكي يصح تطبيق القاعدة لا بد من تفقد حال الجارح والمجروح من اختلاف عقدي أو تعصب مذهبي حتى لا يحيل الجارح ذلك على جرح عدل أو تزكية فاسق. وكم من أئمة جرحوا بناء على معتقدهم وهم المخطئون والمجروح مصيب.

يقول ابن دقيق العيد: أعراض المسلمين حفرة من حفر النار وقف على شفيرها طائفتان من الناس: المحدثون والحكام١.

وما يتفقد عند الجرح أيضاً: حال الجارح في الخبرة بمدلولات الألفاظ ولا سيما الألفاظ العرفية التي تختلف باختلاف أعراف الناس، وتكون في بعض الأزمنة مدحاً وفي بعضها ذماً.

كما ينبغي أن يتفقد حاله في العلم بالأحكام الشرعية، فرب جاهل ظن الحلال حراماً فجرح به.

كما يجب أن يتفقد الخلاف الواقع بين كثير من الصوفية وأهل الحديث.

والجرح مقدم إن كان عدد الجارح أكثر من المعدل إجماعاً، وكذا إن تساوياً أما إن كان الجارح أقل يطلب الترجيح٢.

إذا ما عرفت هذا علمت أنه ليس كل جرح مقدماً.

ولنختم هذه القاعدة بفائدتين عظيمتين:

إحداهما: أن قولهم: لا يقبل الجرح إلا مفسراً إنما هو أيضاً في جرح من ثبتت عدالته


١ "الاقتراح في بيان الاصطلاح" ص ٣٤٤ تحقيق قحطان الدوري- مطبعة الإرشاد- بغداد ١٩٨٢م.
٢ ينظر: "جمع الجوامع" ٢/١٧٢ بشرح الجلال المحلي وحاشية البناني.

<<  <  ج: ص:  >  >>