وقال المانعون: إنه يتطرق إليه احتمالات ثلاثة:
الأول: في سماعه؛ كما في قوله قال: والرد عليه أنه مرسل الصحابي حجة كسماعه.
الثاني: في الأمر والنهي: إذ ربما يرى ما ليس بأمر أمراً، وما ليس بنهي نهياً.
والجواب: أنه لا يظن بالصحابي إطلاق ذلك، إلا إذا علم تحقيقاً أنه أمر بذلك، أو نهى عنه، وينضم إليه من القرائن ما يعرف كونه أمراً أو نهياً، ويدرك ضرورة قصده إلى الأمر والنهي.
أما احتمال بنائه على الغلط والوهم، فلا يصح أن يتطرق إنى الصحابة بغير ضرورة، بل يحمل قولهم وفعلهم على السَّلامة ما أمكن.
الثالث: في المأمور والمنهي؛ هل هو فرد بعينه، أو طائفة بعينها، أو سائر الأمة؟
والجواب: أن ذلك لا يخفى على الصَّحابي، وذكره في مقام الاحتجاج يرفع الاحتمال.
أما إذا لم يصرح الصحابي بالآمر، والناهي، ولا بصاحب السنة- فهناك يأتي الاحتمال الرابع، وهو: هل الآمر، أو الناهي، أو صاحب السنة- هو رسول الله صلى الله عليه وسلم مرفوعاً، أو غيره؛ فلا يكون مرفوعاً؟.
فقال الجمهور: هو مرفوع.
وقال فريق منهم أبو بكر الإسماعيلي: ليس بمرفوع.
وقيل: محل الخلاف إذا لم يكن القائل هو الخليفة الأول: أبو بكر رضي الله عنه.
قول الصحابي: كنا نفعل كذا، أو نقول كذا، أو نرى كذا.
قول الصحابي ذلك: إما أن يضيفه لعهد رسول صلى الله عليه وسلم أو لا؟.
فإن أضافه لعهد الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يخلو: إما أن يكون هناك تصريح بإطلاعه أولاً:
فإن كان هناك تصريح بإطلاعه؛ كما رواه الطبراني في "الكبير" من حديث ابن عمر: كما نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حيٌّ: "أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر وعثمان"، ويسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينكره، فمرفوع إجماعاً، والحديث في "الصحيح" بدون التصريح المذكور.
وإن لم يكن هناك تصريح بإطلاعه؛ كحديث جابر: كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم- أخرجه الشيخان.
وكقوله: كُنا نأكل لحوم الخيل على عهد رسول صلى الله عليه وسلم رواه النسائي وابن ماجة -فثلاثة مذاهب:
المذهب الأول: أنه مرفوع؛ وهو مذهب الجمهور.
المذهب الثاني: أنه موقوف؛ وهو مذهب الإمام أبي بكر الإسماعيلي.
المذهب الثالث: فإن كان ذلك الفعل مما لا يخفى غالباً- كان مرفوعاً، وإلا كان موقوفاً؛ وبهذا قطع أبو إسحاق الشيرازي.