وإنما اختلفوا في هل يثبت لمشتريها الخيار أم لا يثبت، فأبو حنيفة ومحمد بن الحسن، وبقولهما يفتى في المذهب الحنفي على أنه لا خيار للمشتري في شرائه المصراء، بل البيع لازم له، وعليه الإمساك بالثمن المتفق عليه، والشافعية، والمالكية، والحنابلة والظاهرية، وزفر وأبو يوسف من الحنفية، وبعد ذلك جماهير العلماء على أن للمشتري الخيار بين الرد، وبين الإمساك بالثمن المتفق عليه، إذا كانت المصراة من بهيمة الأنعام ولم يكن المشتري عالما بالتصرية وقت الشراء. ينظر في: الأم للشافعي ٣/٨٢-٨٣، حلية العلماء من معرفة مذاهب الفقهاء ٤/٢٢٦، فتح الوهاب للشيخ زكريا ١/١٧٠، الحاوي للماوردي ٥/٢٣٦، روضة الطالبين ٣/١٢٦، المبسوط ١٣/٣٨-٣٩، الأصل لمحمد بن الحسن الشيباني ٥/١١٧، ٩٤، الكافي لابن عبد البر ص ٣٤٦، الخرشي على مختصر سيدي خليل ٥/١٣٣، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ٣/١١٥-١١٦، المغني لابن قدامة ٦/٢١٦، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف ٤/٢٩٩، بداية المجتهد لابن رشد ٢/١٤٤، نيل الأوطار ٥/٢٤١-٢٤٢، فتح العلام ص ٤٣٢، سبل السلام ٣/٣٣-٣٤. ٥ العيب والعيبة والعاب بمعنى واحد، وهو ما يخلو عنه أصل الفطرة السليمة مما يعد نقصا. ويقال: عاب المتاع، وعابه زيد يتعدى ويلزم، وإضافة الخيار إليه من إضافة الشيء إلى سببه، أي خيار سببه ومنشؤه ظهور عيب بالمبيع. ومعناه في الاصطلاح: ثبوت حق فسخ البيع، وإمضائه بظهور عيب بالمبيع كان عند البائع، ولم يعلم به المشتري وقت البيع. والكتاب في الغالب قصروا التعريف على المشتري، لأن الغالب في العيب أن يكون بالمبيع، وكذلك فعلنا وسننهج هذا النهج بالنسبة للأحكام والآثار أيضا منعا من تشعب الكلام مع الأعلام بأن كافة الأحكام التي تجري في جانب المشتري إذا ظهر عيب بالمبيع تجري أيضا إذا ظهر عيب بالثمن في جانب البائع وأن العيب في الثمن كالعيب في المبيع سواء بسواء. وثبوت حق الفسخ للمشتري بسبب العيب أعم من أن يكون دلس به البائع عليه أي: كتم عنه، أو لم يدلس به بأن كان هو الآخر غير عالم ب؛ لأنه إنما شرح ودفعا للضرر عن المشتري والضرر ثابت في الحالين على السواء، إلا أنه في حال التدليس يكون البائع آثما ومرتكبا وزرا عظيما؛ لأن التدليس غش وخداع، ومكر سيء، وكل ذلك حرام يقول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من غشنا فليس منا" ويقول: "الدين النصيحة". ولكن الحرمة شيء، وصحة البيع شيء آخر، فالفقهاء كلهم متفقون على صحة بيع المعيب الذي لا يعلم المشتري بعيبه، سواء كان البائع عالما بالعيب، أو غير عالم به. أما إذا كان غير عالم به، فالأمر ظاهر، وأما إذا كان عالما به فقاسوه على بيع المصراء، صح بيعها مع التدليس بالتصرية بنص الحديث، وظهور قلة اللبن في موطن ظن كثرته، إن لم يكن عيبا، فهو قريب منه، وأيضا قول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "البيعان بالخيار، ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما"، دال على الصحة؛ حيث مسمى البيع مع الكتمان بيعا، وهو دليل الصحة؛ إلا أنه ممحوق البركة وهو دليل الحرمة، ثم النهي مع ذلك راجع إلى معنى في العاقد خاصة هو غشه وتدليسه، لا إلى معنى في العقد، أو المقصود عليه، حتى يكون البيع فاسدا.==