الرابع: أنهم ضعفاءُ، فهم كَلٌّ عليه لا ينفعونه بقوتهم وتصرفهم.
الخامس: أن نفقتهم عليه، لضعفهم وعجزهم، وهذا نهاية ما يكون من تعلق القلب بهذه الجنة: لخطرها في نفسها، وشدة حاجته وذريته إليها.
فإذا تصورت هذه الحال وهذه الحاجة، فكيف تكون مصيبة هذا الرجل إذا أصاب جنته إعصار، وهى الريح التي تستدير في الأرض، ثم ترتفع في طبقات الجو كالعمود، وفيها نار مرت بتلك الجنة، فأحرقتها، وصيرتها رماداً؟، فصدق والله الحسن «هذا مثلٌ قلَّ من يعقله من الناس»(١).
ولهذا نبه سبحانه على عظم هذا المثل، وحدا القلوب إلى التفكر فيه لشدة حاجتها إليه فقال ﷾: ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾
[البقرة: ٢٦٦]، فلو فكر العاقل في هذا المثل وجعله قِبلةَ قلبه لكفاه وشفاه.
فهكذا العبد إذا عمل بطاعة الله ثم أتبعها بما يبطلها ويفرقها من معاصي الله، كانت كالإعصار ذي النار المحرق للجنة التي غرسها بطاعته وعمله الصالح.
ولولا أن هذه المواضع أهم مما كلامنا بصدده - من ذكر مجرد الطبقات- لم نذكرها، ولكنها من أهم المهم، والله المستعان الموفق لمرضاته.
فلو تصور العامل بمعصية الله بعد طاعته هذا المعنى حق تصوره، وتأمله كما ينبغي لما سولت له نفسه -والله- إحراق أعماله الصالحة وإضاعتها، ولكن لابدَّ أن يغيب عنه علمه بذلك عند المعصية، ولهذا استحق اسم الجهل فكل من عصى الله فهو جاهل.