وإذا كانت الجنة بمكان مرتفع لم يخش عليها إلا من قلة الشرب.
فقال ﷾: ﴿أَصَابَهَا وَابِلٌ﴾ [البقرة: ٢٦٥]، وهو المطر الشديد العظيم القطر فأدت ثمرتها، وأعطت بركتها، فأخرجت ضعفي ما يثمر غيرها أو ضعفي ما كانت تثمر، بسبب ذلك الوابل.
فهذا حال السابقين المقربين.
﴿فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ﴾ [البقرة: ٢٦٥]، وهو دون الوابل، فهو يكفيها لكرم منبتها وطيب مغرسها، فتكتفي في إخراج بركتها بالطل.
وهذا حال الأبرار المقتصدين في النفقة وهم درجات عند الله.
فأصحاب الوابل أعلاهم درجة، وهم الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرًّا وعلانية، ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، وأصحاب الطل مقتصدوهم.
فمثَّل حال القسمين وأعمالهم بالجنة على الربوة، ونفقتهم الكثيرة والقليلة بالوابل والطل، وكما أن كل واحد من المطرين يوجب زكاءَ أكل الجنة ونموه بالأضعاف، فكذلك نفقتهم -كثيرة أو قليلة - بعد أن صدرت عن ابتغاءِ مرضاة الله والتثبيت من نفوسهم فهي زاكية عند الله نامية مضاعفة.
واختلف في الضعفين، فقيل: ضعفا الشيء مثلاه زائدًا عليه، وضعفه مثله. وقيل: ضعفه مثلاه وضعفاه ثلاثة أمثاله، وثلاثة أضعافه أربعة أمثاله، كلما زاد ضعفًا زاد مثلًا.
والذي حمل هذا القائل على ذلك فراره من استواءِ دلالة المفرد والتثنية، فإنه رأى ضعف الشيء هو مثله الزائد عليه، فإذا ضُمَّ إلى المثل صار مثلين، وهما الضعف.