فتدبر هذه الأسرار في القرآن، فلعلك لا تظفر بها تمر بك في التفاسير. والمنة والفضل لله وحده لا شريك له.
ثم قال ﷾: ﴿قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٦٣]. فأخبر سبحانه أن القول المعروف - وهو الذي تعرفه القلوب ولا تنكره - والمغفرة - وهي: العفو عمن أساء إليك - خير من الصدقة المقرونة بالأذى. فالقول المعروف إحسان وصدقة بالقول، والمغفرة إحسان بترك المؤاخذة والمقابلة؛ فهما نوعان من أنواع الإحسان، والصدقة المقرونة بالأذى حسنة مقرونة بما يبطلها، ولا ريب أن حسنتين خير من حسنة باطلة. ويدخل في هذا القول المعروف الرد الجميل على السائل، والعدة الحسنة، والدعاء الصالح له.
ويدخل في المغفرة مغفرته للسائل، إذا وجد منه بعض الجفوة والأذى له بسبب رده، فيكون عفوه عنه خيرًا من أن يتصدق عليه ويؤذيه.
هذا على المشهور من القولين في الآية.
والقول الثاني: أن المغفرة من الله، أي: مغفرة لكم من الله بسبب القول المعروف والرد الجميل خير من صدقة يتبعها أذى.
وفيها قول ثالث. أي: مغفرة وعفو من السائل إذا رُدَّ وتعذر المسؤول خير من أن ينال منه صدقة يتبعها أذى.
وأصح الأقوال هو الأول، ويليه الثاني، والثالث ضعيف جدًّا؛ لأن الخطاب إنما هو للمنفق المسؤول لا للسائل الآخذ، والمعنى: أن قول المعروف له والتجاوز والعفو خير لك من أن تصدق عليه وتؤذيه.
ثم ختم الآية بصفتين مناسبتين لما تضمنته، فقال: ﴿وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ﴾