على أن المنَّ والأذى - ولو تراخى عن الصدقة، وطال زمنه - ضر بصاحبه، ولم يحصل له مقصود الإنفاق. ولو أتى بالواو وقال: ولا يتبعون ما أنفقوا منًّا ولا أذى لأوهمت تقييد ذلك بالحال. وإذا كان المن والأذى المتراخي مبطلًا لأثر الإنفاق مانعًا من الثواب فالمقارن أولى وأحرى.
وتأمل كيف جرد الخبر هنا عن الفاء فقال: ﴿لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [البقرة: ٢٦٢]. وقرنه بالفاء في قوله ﷾: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [البقرة: ٢٧٤]. فإن الفاء الداخلة على خبر المبتدأ الموصول أو الموصوف تُفهِم معنى الشرط والجزاء وأن الخبر مستحق بما تضمنه المبتدأ من الصلة أو الصفة.
فلما كان المقام هنا يقتضي بيان حصر المستحق للجزاء دون غيره جرد الخبر عن الفاء فإن المعنى: أن الذي ينفق ماله لله ولا يمن ولا يؤذي هو الذي يستحق الأجر المذكور لا الذي ينفق لغير الله، ويمن ويؤذي بنفقته، فليس المقام مقام شرط وجزاء، بل مقام بيان للمستحق دون غيره.
وفي الآية الأخرى ذكر الإنفاق بالليل والنهار سرًّا وعلانية.
فذكر عموم الأوقات وعموم الأحوال، فأتى بالفاء في الخبر ليدل على أن الإنفاق في أي وقت وجد من ليل أو نهار، وعلى أي حالة وُجد من سر أو علانية، فإنه سبب للجزاء على كل حال.
فليبادر إليه العبد، ولا ينتظر به غير وقته وحاله، فلا يؤخر نفقة الليل إذا حضر إلى النهار، ولا نفقة النهار إلى الليل، ولا ينتظر بنفقة العلانية وقت السر، ولا بنفقة السر وقت العلانية؛ فإن نفقته في أي وقت وعلى أي حال وجدت سببٌ لأجره وثوابه.