للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وَهَذ الْإِرَادَة تَتَنَاوَلُ مَا حَدَثَ مِن الطَّاعَاتِ وَالْمَعَاصِي دُونَ مَا لَمْ يَحْدُثْ، كَمَا أَنَّ الْأولَى تتَنَاوَلُ الطَّاعَاتِ، حَدَثَتْ أَو لَمْ تَحْدُثْ.

وَالسَّعِيدُ: مَن أَرَادَ مِنْهُ (١) تَقْدِيرًا مَا أَرَادَ بِهِ تَشْرِيعًا.

وَالْعَبْدُ الشَّقِيُّ: مَن أَرَادَ بِهِ تَقْدِيرًا مَا لَمْ يُرِدْ بِهِ تَشْرِيعًا.

وَالْحُكْمُ يَجْرِي عَلَى وَفْقِ هَاتَيْنِ الْإِرَادَتَيْنِ، فَمَن نَظَرَ إلَى الْأَعْمَالِ بِهَاتَيْنِ الْعَيْنَيْنِ كَانَ بَصِيرًا، وَمَن نَظَرَ إلَى الْقَدَرِ دُونَ الشَّرْعِ أَو الشَّرْعِ دُونَ الْقَدَرِ كَانَ أَعْوَرَ؛ مِثْل قُرَيْشٍ الَّذِينَ قَالُوا: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: ١٤٨].

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ} [الأنعام: ١٤٨].

فَإِنَّ هَؤُلَاءِ اعْتَقَدُوا أَنَّ كُلَّ مَا شَاءَ اللهُ وُجُودَهُ وَكَوْنَهُ وَهِيَ -الْإِرَادَةُ الْقَدَرِيَّةُ- فَقَد أَمَرَ بِهِ وَرَضِيَهُ، دونَ الْإِرَادَةِ الشَّرْعِيَّةِ، ثُمَّ رَأَوْا أَنَّ شِرْكَهُم بِغَيْرِ شَرْعٍ مِمَّا قَد شَاءَ اللهُ وُجُودَهُ.

قَالُوا: فَيَكُونُ قَد رَضِيَهُ وَأَمَرَ بِهِ.

قَالَ اللهُ: {كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [يونس: ٣٩] بِالشَّرَائِعِ مِن الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ {حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} بِأَنَّ اللهَ شَرَعَ الشِّرْكَ وَتَحْرِيمَ مَا حَرَّمْتُمُوهُ.

{إِنْ تَتَّبِعُونَ} فِي هَذَا {إِلَّا الظَّنَّ} وَهُوَ تَوَهُّمُكُمْ أَنَّ كُلَّ مَا قَدَّرَهُ فَقَد شَرَعَهُ.

{وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ}؛ أَيْ: تُكَذّبُونَ وَتَفْتَرُونَ بِإِبْطَالِ شَرِيعَتِهِ.


(١) أي: من الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>