للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:
مسار الصفحة الحالية:

لِلْمُحْتَاجِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَهَذَا الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْآثَارُ وَالْقِيَاسُ (١).

وَأَمَّا الْمَنْعُ مِن بَيْعِهَا فَفِيهِ نَظَرٌ، فَلَو كَانَ الْمَانِعُ كَوْنَ فَتْحِهَا عَنْوَةً لَمَا مُنعَ إجَارَتهَا.

بَل الصَّوَابُ: أَنَّ الْمَانِعَ مِن إجَارَتهَا كَوْنُهَا أرْضَ الْمَشَاعِرِ الَّتِي يَشْتَرِكُ فِي اسْتِحْقَاقِ الِانْتِفَاعِ بِهَا جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} [الحج: ٢٥]، فَالسَّاكِنُونَ بِهَا أَحَقُّ بِمَا احْتَاجُوا إلَيْهِ؛ لِأنَّهُم سَبَقُوا إلَى الْمُبَاحِ، كَمَن سَبَقَ إلَى مُبَاحٍ مِن مَسْجِدٍ أَو طَرِيقٍ أَو سُوقٍ.

وَأَمَّا الْفَاضِلُ فَعَلَيْهِم بَذْلُهُ.

أَو لِأنَّ الْمَكِّيَّ لَمَّا صَارَ النَّاسُ يُهْدُونَ إلَيْهِم الْهَدَايَا، وَتَجِبُ عَلَيْهِم قِسْمَتُهَا فِيهِمْ، صَارَ يَجِبُ عَلَى الْمَكِّيِّينَ إنْزَالُ النَّاسِ فِي مَنَازِلهِمْ مُقَابَلَةً لِلإحْسَانِ بِالْإِحْسَانِ.

وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَد يَكُونُ هُوَ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِإبْقَائِهَا بِيَدِ أَرْبَابِهَا مِن غَيْرِ خَرَاجٍ مَضْرُوبِ عَلَيْهِم أَصْلًا؛ لِأنَّ لِلْمُقِيمِينَ بِمَكَّةَ حَقًّا وَعَلَيْهِم حَقٌّ، لَيْسَتْ كَغَيْرِهَا مِن الْأَمْصَارِ.

وَمِن هُنَا يَصِيرُ التَّعْلِيلُ بِفَتْحِهَا عَنْوَةَ مُنَاسِبًا لِمَنْعِ إجَارَتهَا -كَمَا ذَكَرْنَاهُ- لَا إلْحَاقًا لَهَا بِسَائِرِ أَرْضِ الْعَنْوَةِ.

٣٥٢٦ - مَن يَمْلِكُ مَاءً نَابِعًا مِثْل أنْ يَمْلِكَ بِئْرًا مَحْفُورَةً فِي مِلْكِهِ -ويدْخُلُ فِي لَفْظِ الْبِئْرِ: مَا يُنْصَبُ عَلَيْهِ الدُّولَابُ وَمَا لَا يُنْصَبُ، أو يَمْلِكُ عَيْنَ مَاء فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ - فَهَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْبِئْرَ وَالْعَيْنَ جَمِيعًا.

وإِنَّمَا تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ: لَو بَاعَ الْمَاءَ بِدُونِ الْقَرَارِ: هَل يَصِحُّ بَيْعُهُ لِكَوْنِهِ


(١) هذا خاص بالبيوت، أما المزارع فلا بأس بإجارتها وبيعها، قال الشيخ عن مَزَارع مَكَّةَ: مَا عَلِمْت أحَدًا مِن أَصْحَابِنَا وَلَا غَيْرِهِمْ مَنَعَ بَيْعَهَا أو إجَارَتَهَا، وَإنَّمَا الْكَلَامُ فِي الرّبَاعِ، وَهِيَ الْمَسَاكِنُ لَا الْمَزَارعُ. (٢٩/ ٢١١)

<<  <  ج: ص:  >  >>