للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

بِحَقِيقَةِ الْإِثْبَاتِ، مُسْتَحِقَّةٌ لِمَا لَهَا مِن الصِّفَاتِ: فالْخَالِقُ -سبحانه وتعالي- أَوْلَى أَنْ يَكونَ مَن نَفَى صِفَاتِهِ جَاحِدًا مُعَطِّلًا، وَمَن قَاسَهُ بِخَلْقِهِ جَاهِلًا بِهِ مُمَثِّلًا.

وَهُوَ - سبحانه وتعالي - ثَابِتٌ بِحَقِيقَةِ الْإِثْبَاتِ، مُسْتَحِقٌّ لِمَا لَهُ مِن الْأَسمَاءِ وَالصِّفَاتِ. [٣/ ٣٣ - ٣٤]

٢٧٠ - فَصْلٌ: وَأَمَّا الْخَاتِمَةُ الْجَامِعَةُ فَفِيهَا قَوَاعِدُ نَافِعَةٌ:

الْقَاعِدَةُ الْأُولَى: أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ مَوْصُوفٌ بِالْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ.

فَالْإِثْبَاتُ: كَإِخْبَارِهِ بِأَنَّهُ بِكُل شَيْءٍ عَلِيمٌ، وَعَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنَّهُ سَمِيْعٌ بَصِيرٌ، وَنَحْوُ ذَلِكَ.

وَالنَّفْيُ: كَقَوْلِهِ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ النَّفْيَ لَيْسَ فِيهِ مَدْحٌ وَلَا كَمَالٌ إلَّا إذَا تَضَمَّنَ إثْبَاتًا، وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ النَّفْيِ لَيْسَ فِيهِ مَدْحٌ وَلَا كَمَالٌ؛ لِأَنَّ النَّفْيَ الْمَحْضَ عَدَمٌ مَحْضٌ.

فَلِهَذَا كَانَ عَامَّةُ مَا وَصفَ اللهُ بِهِ نَفْسَهُ مِن النَّفْي مُتَضَمِّنًا لِإِثْبَاتِ مَدْحٍ؛ كَقَوْلِهِ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} [البقرة: ٢٥٥] إلَى قَوْلِهِ: {وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا} [البقرة: ٢٥٥]، فَنَفْيُ السِّنَةِ وَالنَّوْمِ: يَتَضَمَّنُ كَمَالَ الْحَيَاةِ وَالْقِيَامِ، فَهُوَ مُبَيِّنٌ لِكَمَالِ أَنَّهُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ.

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: ١٠٣] إنَّمَا نَفَى الْإِدْرَاكَ الَّذِي هُوَ الْإِحَاطَةُ، كَمَا قَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَلَمْ يَنْفِ مُجَرَّدَ الرُّويَةِ؛ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ لَا يُرَى، وَلَيْسَ فِي كَوْنِهِ لَا يُرَى مَدْحٌ؛ إذ لَو كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ الْمَعْدُومُ مَمْدُوحًا، وَإِنَّمَا الْمَدْحُ فِي كَوْنِهِ لَا يُحَاطُ بِهِ وَإِن رُئيَ؛ كَمَا أَنَّهُ لَا يُحَاطُ بِهِ وَإِن عُلِمَ (١).

فَكَمَا أَنَّهُ إذَا عُلِمَ لَا يُحَاطُ بِهِ عِلْمًا: فَكَذَلِكَ إذَا رُئِيَ لَا يُحَاطُ بِهِ رُويَةً.


(١) كما قال تعالى: {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: ١١٠].

<<  <  ج: ص:  >  >>