للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:
مسار الصفحة الحالية:

وَالرَّجُلُ قَد يَخْرُجُ مِن الْقَرْيَةِ إلَى صَحْرَاءَ لِحَطَبٍ يَأْتِي بِهِ فَيَغِيبُ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ فَيَكُونُ مُسَافِرًا وإن كَانَت الْمَسَافَةُ أَقَلَّ مِن مِيلٍ (١)، بخِلَافِ مَن يَذْهَبُ ويرْجِعُ مِن يَوْمِهِ، فَإِنَّه لَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُسَافِرًا؛ فَإِنَّ الْأَوَّلَ يَأْخُذُ الزَّادَ وَالْمَزَادَ بِخِلَافِ الثَّانِي.

فَالْمَسَافَةُ الْقَرِيبَةُ فِي الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ تكونُ سَفَرًا، وَالْمَسَافَةُ الْبَعِيدَةُ فِي الْمَدَّةِ الْقَلِيلَةِ لَا تكُونُ سَفَرًا (٢).


(١) مع أنك لو سألت أهلَه: هل سافر؟ لقالوا: لم يُسافر، ولكن ذهب يحتطب لنا مِن حولنا.
فشرطُ السفر: طول الزمان أو بُعد المكان، فمتى وُجد أحدهما فهو سفر.
(٢) فهذا صريحٌ في أن الشيخ رَحِمهُ اللهُ لا يرى القصر في المسافة الطويلة إذا كانت المدة قصيرة، وهذا ما فهمه البعلي في اختياراته حيث قال (ص ١١١): فالمسافة القريبة في المدة الطويلة سفر، لا البعيدة في المدة القليلة. ا هـ.
ومن الغريب قول العلَّامة ابن عثيمين رَحِمهُ اللهُ: ولكن شيخ الإِسلام ابن تيمية رَحِمهُ اللهُ قال: إنَّ المسافة الطويلة في الزمن القصير سفر، والإقامة الطويلة في المسافة القصيرة: سفر. اهـ.
الشرح الممتع (٤/ ٣٥٢).
فشيخ الإسلام لم ينص على ذلك، بل كلامه مُخالف لما نقله الشيخ ابن عثيمين، ولكن لعله أخذه من مجموع ومفهوم كلام شيخ الإسلام وسبر كلامه.
وهل يشمل كلام شيخ الاسلام رَحِمهُ اللهُ المسافة الطويلة جدًّا، كمن يُسافر بالطائرة مسافة ألف كيلو ويرجع من يومه؟ وكمن يُسافر بالسيارة مسافةً تتجاوز مائتي كيلو؟
يرى العلامة ابن جبرين رَحِمهُ اللهُ أنه يشمله، حيث قال رَحِمهُ اللهُ في شرح أخصر المختصرات: ثم في هذه الأزمنة يكثر التساهل في الرخص كالذين يسافرون ساعتين أو نصف يوم نرى أن هذا ليس بسفر، إذا كان مثلًا يذهب في أول النهار ثم يرجع في الليل فلا يسمى سفرًا، واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية وذكر أن السفر يحدد بالزمان لا بالمساحة.
فعلى هذا؛ لو أن إنسانًا خرج من الرياض مسافة ثلاثين كيلو وطال مقامه وجلس هناك -مثلًا - يومين فله أن يترخص، ولو وصل -مثلًا- إلى القصيم مع طول المسافة ورجع في يومه فلا يترخص؛ نظرًا إلى الزمان، وكذلك لو سافر في الطائرة إلى جدة ورجع في يومه فلا يترخص، فهذا هو الذي رجحه شيخ الإسلام؛ لأنه نظر إلى العلة وهي الزمان الذي يغيب فيه عن أهله؛ لأن الإنسان إذا غاب عن أهله نصف يوم فقط ولو وصل إلى أطراف المملكة، فإنه لا يقصده الناس، ولا يأتون ليسلموا عليه، ولا ليهنئوه بسلامته من السفر، ولا يظنون أنه سافر، أما إذا غاب يومين أو ثلاثة أيام، ولو كانت مسافة عشرين أو ثلاثين كيلو فقط فإنهم يفتقدونه ويأتون إليه ليسلموا عليه ويهنئوه، فهذا هو العذر.
وهذا هو الأقرب وهو أن السفر لا يقدر بالمساحة، بل يقدر بالزمان. اهـ. =

<<  <  ج: ص:  >  >>