للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:
مسار الصفحة الحالية:

وَلِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ تَكونَ أَوْقَاتُ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فَرْضُهَا وَسُنَّتُهَا وَقْتَ نَهْيٍ، وَمَا بَعْدَ الْفَجْرِ وَقْتُ صَلَاةِ الْفَجْرِ: سُنَّتُهَا وَفَرْضُهَا، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ هَذَا وَقْتُ نَهْيٍ؟

وَهَل يَكُونُ وَقْتَ نَهْيٍ سُنَّ فِيهِ الصَّلَاةُ دَائِمًا بِلَا سَبَبٍ، وَأَمَرَ بِتَحَرِّي الصَّلَاةِ فِيهِ؟

هَذَا تَنَاقُضٌ.

وَالنَّهْيُ هُوَ لِأَنَّ الْكُفَّارَ يَسْجُذونَ لَهَا، وَهَذَا لَا يَكُونُ مِن طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَلهَذَا كَانَ الْأَصْلُ فِي النَّهْيِ عِنْدَ الطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، لَكِنْ نَهَى عَن الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاتَيْنِ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ، فَإِنَّ الْمُتَطَوِّعَ قَد يُصَلِّي بَعْدَهُمَا حَتَّى يُصَلِّيَ وَقْتَ الطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ.

وَلهَذَا كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي بِاللَّيْلِ وُيوتِرُ، ثُمَّ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى الْفَرْضَ، وَكَانَ يَضْطَجِعُ أَحْيَانًا لِيَسْتَرِيحَ: إمَّا بَعْدَ الْوِتْرِ وَإِمَّا بَعْدَ رَكْعَتَي الْفَجْرِ.

وَكَانَ إذَا غَلَبَهُ مِن اللَّيْلِ نَوْمٌ أَو وَجَعٌ صَلَّى مِن النَّهَارِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَدَلَ قِيَامِهِ مِن اللَّيْلِ، وَلَمْ يَكُن يَقْضِي ذَلِكَ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّة لَمْ يَكن يَتَّسِعُ لِذَلِكَ، فَإِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ فِيهَا طُولٌ وَكَانَ يُغَلِّسُ بِالْفَجْرِ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَو أَمْكَنَ قِرَاءَةُ شَيْءٍ مِنْهُ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ كَانَ أَبْلَغَ، لَكِنْ إذَا قَرَأَهُ قَبْلَ الزَّوَالِ كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِن اللَّيْلِ، فَإِنَّ هَذَا الْوَقْتَ تَابعٌ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ، وَلهَذَا يُقَالُ فِيمَا قَبْلَ الزَّوَالِ: فَعَلْنَاهُ اللَّيْلَةَ، وَيُقَالُ بَعْدَ الزَّوَالِ: فَعَلْنَاهُ الْبَارِحَةَ، وَهُوَ وَقْتُ الضُّحَى، وَهُوَ خَلَفٌ عَن قِيَامِ اللَّيْلِ.

فَمَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إنَّمَا سُنَّ لِلْمُسْلِمِينَ السُّنَّة الرَّاتِبَة وَفَرْضُهَا الْفَجْرُ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ لَمْ يُسَنَّ، وَلَمْ يَكُن مَنْهِيًّا عَنْهُ إذَا لَمْ يُتَّخَذْ سُنَّةً.

فَإِذَا قِيلَ: لَا سُنَّةَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَّا رَكْعَتَانِ: فَهَذَا صَحِيحٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>