للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ب- وَنَوْعٌ لِكَسْبِهِ.

فَالْكَسْبُ الَّذِي هُوَ مُعَامَلَةُ النَّاسِ نَوْعَانِ:

أ- مُعَاوَضَة.

ب- وَمُشَارَكَةٌ.

فَالْمُبَايَعَةُ وَالْمُؤَاجَرَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ هِيَ الْمُعَاوَضَةُ.

وَأَمَّا الْمُشَارَكَةُ فَمِثْلُ مُشَارَكَةِ الْعَنَانِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمُشَارَكَاتِ.

وَمَذْهَبُ مَالِكٍ فِي الْمُشَارَكَاتِ مِن أَصَحِّ الْمَذَاهِبِ وَأَعْدَلِهَا؛ فَإِنَّهُ يُجَوِّزُ شَرِكَةَ الْعَنَانِ وَالْأَبْدَانِ وَغَيْرَهُمَا، وَيُجَوِّزُ الْمُضَارَبَةَ وَالْمُزَارَعَةَ وَالْمُسَاقَاةَ.

وَالشُّبْهَةُ الَّتِي مَنَعَتْ أُولَئِكَ الْمُعَامَلَةَ: أَنَّهُم ظَنُّوا أَنَّ هَذِهِ الْمُعَامَلَةَ إجَارَةٌ، وَالْإِجَارَةُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنَ الْعِلْمِ بِقَدْرِ الْأُجْرَةِ، ثُمَّ اسْتَثْنَوْا مِن ذَلِكَ الْمُضَارَبَةَ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ؛ إذِ الدَّرَاهِمُ لَا تؤَجَّرُ.

وَالصَّوَابُ: أَنَّ هَذِهِ الْمُعَامَلَاتِ مِن نَفْسِ الْمُشَارَكَاتِ لَا مِن جِنْسِ الْمُعَاوَضَاتِ؛ فَإِنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يَقْصِدُ اسْتِيفَاءَ الْعَمَلِ كَمَا يَقْصِدُ اسْتِيفَاءَ عَمَلِ الْخَيَّاطِ وَالْخَبَّازِ وَالطَّبَّاخِ وَنَحْوِهِمْ، وَأَمَّا فِي هَذَا الْبَابِ فَلَيْسَ الْعَمَلُ هُوَ الْمَقْصُودَ؛ بَل هَذَا يَبْذُلُ نَفْعَ بَدَنِهِ، وَهَذَا يَبْذُلُ نَفْعَ مَالِهِ لِيَشْتَرِكَا فِيمَا رَزَقَ اللهُ مِن رِبْحٍ، فَإِمَّا يَغْنَمَانِ جَمِيعًا أَو يَغْرَمَانِ جَمِيعًا.

وَاَلَّذِي نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِن كِرَاءِ الْمُزَارَعَةِ فِي حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَغَيْرِهِ (١) مُتَّفَق عَلَيْهِ، كَمَا ذَكَرَهُ اللَّيْث وَغَيْرُهُ؛ فَإِنَّهُ نَهَى أَنْ يُكْرَى بِمَا تُنْبِتُ


(١) وهو ما ثبت في الصحيحين عنه " أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَن كِرَاءِ المَزَارعِ".
وقال: "كُنَّا أَكْثَرَ أهْلِ المَدِينَةِ مُزْدَرَعًا، كُنَّا نُكْرِي الأرْضَ بِالنَّاحِيَةِ مِنْهَا مُسَمَّى لِسَيِّدِ الأرْضِ"، قَالَ: "فَمِمَّا يُصَابُ ذَلِكَ وَتَسْلَمُ الأرْضُ، وَمِمَّا يُصَابُ الأرْضُ وَيسْلَمُ ذَلِكَ، فَنُهِينَا، وَأمَّا الذَّهَبُ وَالوَرِقُ فَلَمْ يَكُن يَوْمَئِذٍ".

<<  <  ج: ص:  >  >>