للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:
مسار الصفحة الحالية:

وَالشَّيْطَانُ قَد اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِ، فَهُوَ يَيْأسُ مِن تَوْبَةِ نَفْسِهِ، وَإِن كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا تَابَ غَفَرَ اللهُ لَهُ، وَهَذَا يَعْتَرِي كَثِيرًا مِن النَّاسِ.

وقد تَنَازَعَ النَّاسُ فِي الْعَبْدِ هَل يَصِيرُ فِي حَالٍ تَمْتَنِعُ مِنْهُ التَّوْبَةُ إذَا أَرَادَهَا؟ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجُمْهُورُ: أَنَّ التَّوْبَةَ مُمْكِنَة مِن كُلِّ ذَنْبٍ، وَمُمْكِنٌ أَنَّ اللهَ يَغْفِرُهُ.

وَهَذِهِ آيةٌ عَظِيمَةٌ جَامِعَةٌ مِن أَعْظَمِ الْآيَاتِ نَفْعًا، وَفِيهَا رَدٌّ عَلَى طَوَائِفَ: رَدٌّ عَلَى مَن يَقُولُ إنَّ الدَّاعِيَ إلَى الْبِدْعَةِ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ.

وَمِن ذَلِكَ: تَوْبَةُ قَاتِلِ النَّفْسِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا مَقْبُولَةٌ. وَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَآيةُ النِّسَاءِ (١) إنَّمَا فِيهَا وَعِيدٌ فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (١٠)} [النساء: ١٠]، وَمَعَ هَذَا فَهَذَا إذَا لَمْ يَتُبْ.

وَكُلُّ وَعِيدٍ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ التَّوْبَةِ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ، فَبِأيِّ وَجْهٍ يَكُونُ وَعِيدُ الْقَاتِلِ لَاحِقًا بِهِ وَإِن تَابَ؟ هَذَا فِي غَايَةِ الضَّعْفِ؟ وَلَكِنْ قَد يُقَالُ: لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ بِمَعْنَى: أَنَّهُ لَا يَسْقُط حَقُّ الْمَظْلُومِ بِالْقَتْلِ؛ بَل التَّوْبَةُ تُسْقِطُ حَقَّ اللهِ، وَالْمَقْتُولُ مُطَالِبُهُ بِحَقِّهِ، وَهَذَا صَحِيحٌ فِي جَمِيعِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ حَتَّى الدَّيْنِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَقَد قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (٩٠)} [آل عمران: ٩٠]؟

قِيلَ: إنَّ الْقُرْآنَ قَد بَيَّنَ تَوْبَةَ الْكَافِرِ وَإِن كَانَ قَدِ ارْتَدَّ ثُمَّ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٨٦) أُولَئِكَ


(١) وهي قَوْله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ} [النساء: ٩٣].

<<  <  ج: ص:  >  >>