للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:
مسار الصفحة الحالية:

وَلَيْسَ فِي الْكِتَابِ وَالسنَّةِ إبَاحَةُ النَّظَرِ إلَى عَامَّةِ الْإِمَاءِ وَلَا تَرْكُ احْتِجَابِهِنَّ وَإِبْدَاءُ زِينَتِهِنَّ.

فَإذَا كَانَ فِي ظُهُورِ الْأَمَةِ وَالنَّظَرِ إلَيْهَا فِتْنَة وَجَبَ الْمَنْعُ مِن ذَلِكَ .. وَهَكَذَا الرَّجُلُ مَع الرِّجَالِ وَالْمَرْأَةُ مَعَ النِّسَاءِ: لَو كَانَ فِي الْمَرْأَةِ فِتْنَةٌ لِلنِّسَاءِ، وَفِي الرَّجُلِ فِتْنَة لِلرِّجَالِ لَكَانَ الْأَمْرُ بِالْغَضّ لِلنَاظِرِ مِن بَصَرِهِ مُتَوَجِّهًا، كَمَا يَتَوَجَّهُ إلَيْهِ الْأَمْرُ بِحِفْظِ فَرْجِهِ، فَالْإِمَاءُ وَالصّبْيَانُ إذَا كُنَّ حِسَانًا تُختشى الْفِتْنَةُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِم كَانَ حُكْمُهُم كَذَلِكَ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْعُلَمَاءُ.

وَكَمَا يَتَنَاوَلُ غَضَّ الْبَصَرِ عَن عَوْرَةِ الْغَيْرِ وَمَا أَشْبَهَهَا مِن النَّظَرِ إلَى الْمُحَرَّمَاتِ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْغَضَّ عَن بُيُوتِ النَّاسِ، فَبَيْتُ الرَّجُلِ يَسْتُرُ بَدَنَهُ كَمَا تَسْتُرُهُ ثِيَابُهُ.

وَفِي "الصَّحِيحَيْنِ" (١) عَن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ فِي حُجْرَةٍ فِي بَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَمَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- مِدْرَى يَحُكُّ بِهَا رَأسَة، فَقَالَ: "لَو أَعْلَمُ أنَّك تَنْظُرُ إلَيَّ لَطَعَنْت بِهِ في عَيْنِك؛ إنَّمَا جُعِلَ الِاسْتئذَانُ مِن أَجْلِ الْبَصَرِ".

وَقَد ظَنَّ طَائِفَةٌ مِن الْعُلَمَاءِ أَنَّ هَذَا مِن بَابِ دَفْعِ الصَّائِلِ؛ لِأَنَّ النَّاظِرَ مُعْتَدٍ بِنَظَرِهِ، فَيُدْفَعُ كَمَا يُدْفَعُ سَائِرُ الْبُغَاةِ، وَلَو كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَالُوا لَدُفِعَ بِالْأَسْهَلِ فَالْأَسْهَلِ، وَلَمْ يَجُزْ قَلْعُ عَيْنِهِ ابْتِدَاءً إذَا لَمْ يَذْهَبْ إلَّا بِذَلِكَ، وَالنُّصُوصُ تُخَالِفُ ذَلِكَ؛ فَإنَّهُ أَبَاحَ أَنْ تَخْذِفَهُ حَتَّى تَفْقَأ عَيْنَهُ قَبْلَ أَمْرِهِ بِالِانْصِرَافِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: "لَو أَعْلَمُ أنك تُنْظِرُنِي لَطَعَنْت به فِي عَيْنِك" فَجَعَلَ نَفْسَ النَّظَرِ مُبِيحًا لِلطَّعْنِ فِي الْعَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْأَمْرَ لَهُ بِالِانْصِرَافِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِن بَابِ الْمُعَاقَبَةِ لَهُ عَلَى ذَلِكَ، حَيْثُ جَنَى هَذِهِ الْجِنَايَةَ عَلَى حُرْمَةِ صَاحِبِ الْبَيْتِ فَلَهُ أَنْ يَفْقَأَ عَيْنَهُ بِالْحَصَى وَالْمِدْرَى.

وفي قَوْلِهِ فِي آخِرِ الْآيَةِ: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} فَوَائِدُ جَلِيلَةٌ:


(١) البخاري (٦٢٤١)، ومسلم (٢١٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>