للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:
مسار الصفحة الحالية:

وَقَوْلُهُ: {أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} فَجَعَلَ الْمَحْذُورَ هُوَ الْإِصَابَةَ لِقَوْمٍ بِلَا عِلْمٍ، فَمَتَى أصِيبُوا بِعِلْمٍ زَالَ الْمَحْذُورُ، وَهَذَا هُوَ الْمَنَاطُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ، كَمَا قَالَ: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: ٨٦]، وَقَالَ: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: ٣٦].

وقَوْله تَعَالَى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (٣)} [النور: ٣]، لَمَّا أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِعُقُوبَةِ الزَّانِيَيْنِ: حَرَّمَ مُنَاكَحَتَهُمَا عَلَى الْمُؤمِنِينَ؛ هَجْرًا لَهُمَا وَلمَا مَعَهُمَا مِن الذُّنُوبِ وَالسَّيِّئاتِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥)} [المدثر: ٥].

وَالْمَقْصُودُ قَوْلُهُ: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} فَإِنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَ الزَّانِيَ لَا يَتَزَوَّجُ إلَّا زَانِيَةً أَو مُشْرِكَة، وَإِنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ عَلَى الْمُؤمِنِينَ، وَلَيْسَ هَذَا لِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ فَاجِرًا، بَل لِخُصُوصِ كَوْنِهِ زَانِيًا.

وَكَذَلِكَ فِي الْمَرْأَةِ لَيْسَ لِمُجَرَّدِ فُجُورِهَا، بَل لِخُصُوصِ زِنَاهَا، بِدَلِيلِ أَنَّهُ جَعَلَ الْمَرْأَةَ زَانِيَة إذَا تَزَوَّجَتْ زَانِيًا، كَمَا جَعَلَ الزَّوْجَ زَانِيًا إذَا تَزَوَّجَ زَانيَةً، هَذَا إذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ يَعْتَقِدَانِ تَحْرِيمَ الزِّنَا (١).

فَإِذَا رَضِيَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَنْكِحَ زَانِيًا فَقَد رَضِيَتْ عَمَلَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ رَضِيَ الرَّجُلُ أَنْ يَنْكِحَ زَانِيَةً فَقَد رَضِيَ عَمَلَهَا، وَمَن رَضِيَ الزنى كَانَ بِمَنْزِلَةِ الزَّانِي.

وَمَن تَزَوَّجَ غَيْرَ تَائِبَةٍ فَقَد رَضِيَ أَنْ تَزْنِيَ؛ إذ لَا يُمْكِنُهُ مَنْعُهَا مِن ذَلِكَ، فَإِنَّ كَيْدَ النِّسَاءِ عَظِيمٌ.

وَلهَذَا جَازَ لِلرَّجُلِ إذَا أَتَتْ امْرَأَتُهُ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ أَنْ يَعْضُلَهَا لِتَفْتَدِي نَفْسَهَا مِنْهُ، وَهُوَ نَصُّ أَحْمَد وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهَا بِزِنَاهَا طَلَبَتْ الِاخْتِلَاع مِنْهُ وَتَعَرَّضَتْ لِإِفْسَادِ نِكَاحِهِ.


(١) فإن استحلا الزنى فهما مشركان.

<<  <  ج: ص:  >  >>