للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:
مسار الصفحة الحالية:

وَكَذَلِكَ تقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ عِنْدَ أَحْمَد، وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ فِي الْجِرَاحِ إذَا أَدَّوْهَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، هاِذَا شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّهُ رَأَى الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ وَالصَّبِيَّ فِي لِحَافٍ، أَو فِي بَيْتِ مِرْحَاضٍ، أَو رَآهُمَا مُجَرَّدَيْنِ أَو مَحْلُوليْ السَّرَاوِيلِ، ويُوجَدُ مَعَ ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، مِن وُجُودِ اللِّحَافِ قَد خَرَجَ عَن الْعَادَةِ إلَى مَكَانِهِمَا، أَو يَكُونُ مَعَ أَحَدِهِمَا أَو مَعَهُمَا ضَوْءٌ قَد أَظْهَرَهُ فَرَآه فَأَطْفَأَهُ، فَإِنَّ إطْفَاءَهُ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِخْفَائِهِ بِمَا يَفْعَلُ، فَإِذَا لَمْ يَكُن مَا يُسْتَخْفَى بِهِ إلَّا مَا شَهِدَ بِهِ الشَّاهِدُ كَانَ ذَلِكَ مِن أَعْظَمِ الْبَيَانِ عَلَى مَا شَهِدَ بِهِ.

فَهَذَا الْبَابُ بَابٌ عَظِيمُ النَّفْعِ فِي الدِّينِ، وَهُوَ مِمَّا جَاءَت بهِ الشَّرِيعَةُ الَّتِي أَهْمَلَهَا كَثِيرٌ مِنَ الْقُضَاةِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ، زَاعِمِينَ أَنَّهُ لَا يُعَاقَبُ أَحَدٌ إلَّا بِشُهُودٍ عَايَنُوا أَو إقْرَارٍ مَسْمُوعٍ، وَهَذَا خِلَافُ مَا تَوَاتَرَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَسُنَّةُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَخِلَافُ مَا فُطِرَتْ عَلَيْهِ الْقُلُوبُ الَّتِي تَعْرِفُ الْمَعْرُوفَ وَتُنْكِرُ الْمُنْكَرَ، وَيعْلَمُ الْعُقَلَاءُ أَنَّ مِثْل هَذَا لَا تَأْبَاهُ سِيَاسَةٌ عَادِلَةٌ، فَضْلًا عَن الشَّرِيعَةِ الْكَامِلَةِ.

وَيدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} [الحجرات: ٦] فَفِي الْآيَةِ دَلَالَاتٌ:

أَحَدُهَا قَوْلُهُ: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} فَأَمَرَ بِالتَّبَيُّنِ عِنْدَ مَجِيءِ كُل فَاسِقٍ بِكُلِّ نَبَأٍ.

بَل هَذِهِ دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّ الْإِصَابَةَ بِنَبَأِ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ لَا يُنْهَى عَنْهَا مُطْلَقًا، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ فِي جِنْسِ الْعُقُوبَاتِ (١)، فَإِنَّ


(١) وغيرها؛ كالطلاق والرجعة ونحوها.
واختار شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيِّم رحمهما الله أن الشاهد الواحد إذا ظهر صدقه حكم بشهادته وحده، فِي غَيْرِ الْحُدُودِ، وذلك في الطلاق والرجعة وغيرها.
قال ابن القيِّم: الحق أن الشاهد الواحد إذا ظهر صدقه حكم بشهادته وحده، وقد أجاز النبي -صلى الله عليه وسلم- شهادة الشاهد الواحد لأبي قتادة بقتل المشرك ودفع إليه سلبه بشهادته وحده ولم يحلف أبا قتادة فجعله بيِّنة تامة. =

<<  <  ج: ص:  >  >>