قصت هذه الكلمات القصةَ مستوعبة؛ بحيث لم يخل بشيء منها بأوجز عبارة وأخصر قول.
ومن المشهور في هذا الباب قول الله تعالى:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ}(البقرة: ١٧٩) إذ المراد به أن الإنسان إذا علم أنه متى قتل قُتل، كان ذلك داعيًا قويًّا له إلى أن يكف عن القتل ولا يُقدم عليه، فأوجب ذلك حياة الناس، ومن شواهد إيجاز القصر أيضًا قول الله تعالى:{مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ}(غافر: ١٨) أي: لا شفاعة ولا طاعة، فليس المراد نفي طاعة الشفيع بمعنى أن الشفيع يوجد ولكن لا يطاع، بل المراد أنه لا شفاعة أصلًا، وانظر إلى قول الشريف الرضي:
مالوا إلى شعب الرحال وأسندوا ... ...........
شعب الرحال: خشبها، إشارة إلى ركوبهم عليها ورحيلهم للقتال. أي للطعان إلى قلوب تخفق؛ أي تضطرب لفراق الأحبة، فإنه أراد أن يصف هؤلاء القوم بالشجاعة في أثناء وصفهم بالغرام، فعبّر عن ذلك بقوله:
............... وأسندوا ... أيدي الطعان إلى قلوب تخفق
وإلى قول أبي تمام:
وظلمتَ نفسك طالبًا إنصافها ... فعجبتُ من مظلومة لم تظلم
أراد أكرهتها على تحمل الصعاب والمشاق، فأنصفتها بذلك؛ إذ أوجبت لها مجدًا عريقًا وذكرًا حسنًا، فصارت بهذا الصنيع مظلومةً لم تظلم، ومن ذلك قول الآخر:
وإن هو لم يحمل عن النفس ضيمها ... فليس إلى حسن الثناء سبيل