وهو نوعان: إيجاز قِصَر وإيجاز حذف. فإيجاز القِصَر: هو الدلالة على المعاني الكثيرة بألفاظ قليلة؛ أي تضمين العبارات القليلة القصيرة معانٍ كثيرة غزيرة، دون أن يكون في تراكيبها لفظٌ محذوف، كما في قول الله تعالى:{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}(الأعراف: ١٩٩) فقد جمع في هذه الآية الكريمة جميع مكارم الأخلاق؛ لأن في العفو الصفح والإغضاء ومسامحة من أساء والرفق في كل الأمور، وفي الأمر بالعرف صلة الأرحام ومنع اللسان عن الكذب والغيبة، وغض الطرف عن كل محرم والقيام بمتطلبات الدعوة إلى الله عز وجل، وفي الإعراض عن الجهال الصبرُ والحلم وكظم الغيظ؛ فهذه إذن ألفاظ قليلة وقد فاضت معانيها إلى الغاية، وزادت عن الحد إلى غير نهاية، ومن ذلك قوله تعالى:{أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ}(الأعراف: ٥٤) فقد دلت هذه الجملة من الآية الكريمة على استقصاء جميع الأشياء والشئون، حتى روي أن ابن عمر -رضي الله عنهما- قرأها فقال:"من بقي له شيء بعد هذا فليطلبه!! ".
ومنه قول الله عز وجل:{أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ}(الأنعام: ٨٢)، فهذه الجملة يدخل تحتها كل أمر محبوب، وينتفي بها كل صنوف المكاره، ومنه قوله تعالى:{انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا}(التوبة: ٤١) فتلك ثلاث كلمات حوت معانٍ غزيرة؛ إذ شملت الأمر بالنفير العام للجهاد، وقطعت جميع الحُجج والذرائع المعوقة عن الجهاد، ومن ذلك قوله أيضًا:{أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا}(النازعات: ٣١)، فقد دلت هذه الآية الكريمة على جميع ما أخرج من الأرض قوتًا ومتاعًا للناس والدواب؛ من عشب وشجر وحطب ولباس ونار وماء وغير ذلك، وانظر إلى قوله -عز من قائل- في وصف إنهاء الطوفان:{وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}(هود: ٤٤) فقد