فقد قصر سلوها على المنايا قصرَ صفة على موصوف قصرًا حقيقيًا تحقيقيًّا؛ لأن جدته كانت قد اشتاقت إليه في غيبته، فلما وصلها كتابه قبّلته وفرحت، ثم أخبرت كذبًا أنه قد مات، فحمت ومات، فرثاها بتلك القصيدة. أما قوله:"وإنما أشد من السقم الذي أذهب السقم"، فلك أن تجعله قصر صفة على موصوف؛ أي قصر أشد من السقم على الذي أذهب السقم، والمراد بأشد من السقم صفات الكآبة والألم والفقدان والوجع، التي تغلب السقم وتقهره وتعلوه؛ لأنه لا يقهر الشيء إلا ما هو أشد منه وأقوى، فهو يتخيل صفات كآبة أقوى من السقم، ويقصرها على ما أذهب السقم وهذا إغرام في الخيال، كذا في (دلالات التراكيب)، ولك أن تجعله من قصر الموصوف على الصفة؛ أي القصر الذي أذهب السقم وهو المنايا على كونه أشد من السقم، ويكون طريق القصر عندئذ هو التقديم، وإنما ملغاة كما في قول الشاعر:
أسامي لم تزده معرفة ... وإنما لذة ذكرناها
وقصر الموصوف على الصفة معناه: ألا يتجاوز الموصوف تلك الصفة إلى صفة أخرى أصلًا إذا كان القصر حقيقيًا، أو إلى صفة أخرى معينة إذا كان القصر إضافيًّا، وهذا لا يمنع أن تكون تلك الصفة المقصور عليها وصفًا لموصوف آخر غير المقصور، فقولك: ما عمرو إلا شجاع، قصر لعمرو على صفة الشجاعة؛ بحيث لا يتعداها إلا صفة أخرى، أما الشجاعة فليس هنالك ما يمنع من أن يتصف بها غير عمرو، وتقول: زيدٌ كاتب لا شاعر، فتقصر زيدًا على صفة الكتابة بحيث لا يتجاوزها إلى صفة الشعر، فهو قصر إضافي وتقول: ما شوقي إلا شاعر، فتقصر شوقيًا على صفة الشعر بحيث لا يتجاوزها إلى صفة أخرى، فهو قصر حقيقي.