المقصورة، تقول: الله هو الخالق، فتُقصر صفة الخلق على الله -سبحانه وتعالى- قصرًا حقيقيًا تحقيقيًّا، ومنه قوله تعالى:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}(الفاتحة: ٥) حيث قصرتَ صفة العبادة وكذلك صفة الاستعانة على الله قصرًا حقيقيًّا تحقيقيًّا، ومن ذلك قوله جل وعلا:{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ}(الأنعام: ٥٩) حيث قصر العلم بمفاتح الغيب على الله تعالى قصرا حقيقيًا تحقيقيًّا، فهو قصر صفة على موصوف. ومن ذلك قول أبي تمام:
لا يطرد الهم إلا الهم من رجل ... مُقَلْقِلٍ لبنات القفرة النُّعُب
فالمراد بالهم الأول: ما يجده الرجل في صدره من أحزان، والمراد بالهم الثاني: الهمة والعزيمة، ومقلقل من القلقلة وهي الحركة العنيفة، وبنات القفرة: الإبل التي تقطع القفار، والنعب: مفردها نعوب، والنعبان: تحريك الناقة رأسها في السير، وهذا دليل النشاط والقوة، قصر هنا طرد الهم وهو صفة على الهم من رجل مقلقل لبنات القفرة وهو موصوف قصرًا حقيقيًّا ادعائيًّا؛ لأن الناس يطردون همومهم بأمور كثيرة، ولكن الشاعر لم يعتد بشيء منها إلا بالرحلة التي غيرته وأضنته، والتي كانت سببًا في حزن صاحبته وانسكاب عبرتها، فأراد أن يبين لها أن تلك الرحلة هي الوسيلة الوحيدة لطرد الهموم والأحزان، فهو لم يعتد بغير الرحلة في طرد همومه وأحزانه، على الرغم من وجود وسائل كثيرة لطرد الهموم؛ ولذا كان القصر حقيقيًّا ادعائيًّا، ومن ذلك قول الآخر:
إلى الله أشكو لا إلى الناس إنني ... أرى الأرض تبقى والأخلاء تذهب
حيث قصرَ صفة الشكوى على الله تعالى؛ بحيث لا تتجاوزه إلى الناس، وهو قصر إضافي، ومنه قول المتنبي في رثاء جدته:
ولم يسْلِها إلا المنايا وإنما ... أشد من السقم الذي أذهب السقم