وأهم هذه المعاني: الدعاء، وذلك عندما تكون تلك الصيغة صادرة من الأدنى إلى الأعلى. كما في قول الله تعالى:{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ}(البقرة: ٢٨٦). فالمقام مقام ضراعة وخضوع، والمؤمنون يبتهلون إلى الله تعالى بهذا الأسلوب على سبيل التضرع والتذلل. فالمقصود منه: الدعاء والابتهال. وسِر التعبير بصيغة النهي في مقام الدعاء في الآية الكريمة: هو بيان رغبة هؤلاء المؤمنين في أن يتجلى الله عليهم بالرحمة والغفران، وإظهار كمال ضراعتهم وتذللهم إلى الله -جل وعلا-.
ومن ذلك: قول الله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا}(آل عمران: ٨) وقوله: {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ}(آل عمران: ١٩٤) إلى غير ذلك من الآيات التي يتضرع فيها المؤمن إلى الله داعيًا وراجيًا بهذا الأسلوب الذي يُصور صدق رغبته، وشدة حرصه على أن يحقق الله له دعاءه ويجيب طلبه.
ويأتي النهي لإرادة معنى الالتماس: وذلك إذا كان النهي من المساوي والند بدون استعلاء ولا خضوع ولا تذلل. كقولك لنظيرك: لا تفعل هذا. ومنه: قول الله تعالى على لسان هارون يخاطب أخاه موسى -عليهما السلام-: {قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي}(طه: ٩٤). فالنهي في قوله:{لَا تَأْخُذْ} المراد به: الالتماس؛ لأنه ليس فيه استعلاء وإلزام، ولا تذلل وخضوع، حيث وجه من هارون إلى موسى وهما متساويان في الرتبةِ والمنزلةِ، فهو يلتمس منه بهذا النهي عدم إنزال العقوبة به؛ فقد خشي إن خرج عليهم أن يتفرقوا وفي إيثار التعبير بنسبته إلى الأم:{يَا ابْنَ أُمَّ} على الرغم من كونه أخيه لأبيه وأمه استعطاف لموسى وترقيق لقلبه.