ومن ذلك: قوله تعالى: {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}(الزمر: ٤). فاتخاذ الله ولدًَا من الأمور الغريبة العجيبة، وقد آثر النظم الكريم التعبير عن ذلك بأسلوب الشرط "لو": هو حرف امتناع لامتناع ردعًا وزجرًا لأولئك الذين قالوا: {اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا}(البقرة: ١١٦){وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ}(التوبة: ٣٠){وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ}(التوبة: ٣٠) وقال المشركون: الملائكة بنات الله. تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا. فلو كان المفعول بهذه الغرابة ورد ذكره بهذه الإرادة -كما ترى -. أما قول أبي الحسين علي بن أحمد الجوهري أحد شعراء الصاحب بن عباد:
فلم يبقِ من الشوق غير تفكري ... فلو شئتُ أن أبكي بكيت تفكرًا
فليس مفعول المشيئة فيه غريبًا؛ لأن المراد بالبكاء المذكور بعد شئت بكاء الدمع لا بكاء التفكر المذكور في الجواب، فالشاعر لم يرد أن يقول: فلو شئت أن أبكي تفكرًا بكيت تفكرًا، ولكنه أراد أن يقول: أثناني النحول حتى لو شئت بكاء فبريت جفوني، وعصرت عيني؛ ليسيل منهما دمع لم أجده، ولخرج بدل الدمع التفكر، فالبكاء الثاني لا يصلح أن يكون تفسيرًا للبكاء الأول لو حذف. ومراد الشاعر لا يتم إلا بذكر مفعول المشيئة، وليس المعنى هنا في هذا البيت كالمعنى في بيت أبي الهندام؛ لأن البكاء هناك في الموضعين بكاء دم، أما هنا، فالأول: بكاء دموع، والثاني: بكاء تفكر. فلا يصلح الثاني دليلًا على الأول، ونظيره أن تقول:، لو شئت أن تعطي درهمًا أعطيت درهمين، فالثاني وهو جواب الشرط، لا يصلح أن يكون تفسيرًا للأول، وهو مفعول شئت؛ لأن الأول إعطاء درهم، والثاني إعطاء درهمين.