وقوله كذلك:{وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}(الأنعام: ١١٠). أي: ونتركهم في ضلالهم يترددون حائرين متصفين بالعمى، وهكذا كل موضع كان القصد فيه أن يثبت المعنى في نفسه فعلا للشيء، وأن يخبر بأن من شأنه أن يكون منه أو لا يكون إلا منه أو لا يكون منه، فإن الفعل لا يعدى هناك؛ لأن تعديته تنقض الغرض، وتغير المعنى. كذا في (الدلائل).
فمثال الإخبار بأن الفاعل مِن شأنه أن يكون منه الفعل قولك: هو يعطي، إذا أريد التوكيد وتقوية الحكم لا القصر. وقولك: يعطي محمد، ويكرم خالد. ومثال الإخبار بأن الفعل لا يكون إلا من الفاعل: قولك: هو يعطي، هو يحل ويعقد، إذا أردت بتقديم المسند إليه القصر.
ومثال الإخبار بأن الفعل لا يكون من الفاعل: قولك: هو لا يعطي، فلان لا يحل ولا يعقد، وتأمل بعدئذ قول الله تعالى:{وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ}(القصص:٢٣، ٢٤). تجد أن المفعول قد طُوي في أربعة مواضع، إذ المعنى: وجد عليه أُمةً من الناس يسقون غنمهم أو مواشيهم، وامرأتين تذودان غنمهما؛ حتى يصدر الرعاء، وقالتَا: لا نسقي غنمنا، فسقى لهما غنمهما، ولكن هذا التقدير غير مراد؛ فالمفعول لا يلتفت إليه في الآيات، ولا يخطر بالبال ولا يُنوَى؛ لأن إرادته وتقديره يؤديان إلى خلاف المراد.
يقول الإمام عبد القاهر: لا يخفى على ذي بصر أنه ليس في ذلك كله إلا أن يترك ذكره، ويؤتَى بالفعل مطلقًا؛ وما ذاك إلا أن الغرض في أن يعلم أنه كان من