ويقري. فالمراد من ذلك: إثبات المعاني التي اشتقت منها الأفعال لفاعليها دونما نظر إلى تعلقها بمفعول ونحوه. وكأنك تريدأن تقول صار فلان بحيث يكون منه الحل والعقد، والإعطاء والمنع، والأمر والنهي، والضر والنفع، والإعطاء والإبذال، والإقراء والضيافة، صار أهلًا لذلك.
ولو أثبت المفعول، فقلت مثلًا: يعطي الذهب أو الدراهم؛ لضاع هذا الغرض؛ إذ ينصرف الذهن إلى نوع المعطى لا إلى جنس الإعطاء؛ ولذا فإنك عندما تريد بِطِي المفعول هذا الغرض، وهو: إثبات المعنى في نفسه للفاعل، فإنك لا تنظر إلى المفعول المطوي، ولا تلتفت إليه ولا تخطره ببالك، ولا تقدره؛ إذ المقدر كالمذكور، ومما ورد في النظم الكريم قوله تعالى:{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}(الزمر: ٩). فالمعنى -والله تعالى أعلم-: هل يستوي مَن له علم ومن لا علم له، من غير أن يقصد النص على معلوم.
وقوله تعالى:{وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا}(النجم:٤٣، ٤٤)، {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى}(النجم: ٤٨). فالمراد: أنه هو الذي منه الإضحاك والإبكاء، والإحياء والإماتة، والإغناء والإقناء، دون قصد إلى مفعول يقع عليه الفعل. وكذا قوله:{رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ}(البقرة: ٢٥٨). أي: يكون منه الإحياء والإماتة دون نظر إلى مَن أحيا ولا إلى مَن أمات.
وقوله -عز وجل-: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ}(البقرة: ١٧). فالمفعول المطوي في:{يُبْصِرُونَ} من قبيل المتروك المطروح الذي لا يلتفت إليه، ولا يخطر بالبال، ولا يقدر. إذ المراد: وتركهم في ظلمات لا يتأتى الإبصار منهم. وقوله:{فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}(البقرة: ٢٢). أي: وأنتم يقع منكم العلم وتتصفون به.