للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الثاني: الحظر.

الثالث: التوقف.

والحق أن هذه الأقوال الثلاثة إنما هي في مسألة الأشياء قبل ورود الشرع، أما بعده فليس إلا قولي الإباحة، والحظر.

قال ابن رجب الحنبلي (١): (واعلم أن هذه مسألة الأعيان قبل ورود الشرع هل هو الحظر، أو الإباحة، أو لا حكم فيها، فإن تلك المسألة مفروضة فيما قبل ورود الشرع، فأما بعد وروده فقد دلت هذه النصوص (٢) وأشباهها على أن حكم ذلك الأصل زال، واستقر أن الأصل في الأشياء الإباحة بأدلة الشرع. وقد حكى بعضهم الإجماع على ذلك، وغلط من سوى بين المسألتين، وجعل حكمهما واحدا) (٣).

وقال الزركشي: الأصل في المنافع الإذن، وفي المضار المنع، خلافا لبعضهم، وهذا عندنا من الأدلة، فيما بعد ورود الشرع. أعني أن الدليل السمعي دل على أن الأصل ذلك فيهما إلا ما دل دليل خاص على خلافهما. أما قبله، فقد سبقت المسألة في أول الكتاب: "لا حكم للأشياء قبل الشرع"، ولم يحكموا هنا قولا بالوقف كما هناك، لأن الشرع ناقل. وقد خلط بعضهم الصورتين وأجرى الخلاف هنا أيضا. وكأنه استصحب ما قبل السمع إلى ما بعده (٤).


(١) الحافظ العلامة زين الدين، أبو الفرج، عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الرحمن البغدادي، الدمشقي، الحنبلي، الشهير بابن رجب، له مصنفات منها: شرح على الترمذي، وشرح على البخاري بلغ فيه إلى كتاب الجنائز، توفي سنة ٧٩٥ هـ. انظر: الدرر الكامنة ج ٣/ ص ١٠٨، والبدر الطالع ج ١/ ص ٣٦٧.
(٢) ذكر ابن رجب بعض النصوص قبل كلامه، فقال: مثل قوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث سعد بن أبي وقاص: "إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم؛ فحرم من أجل مسألته". -وسيأتي تخريجه قريبا- وقد دل القرآن على مثل هذا أيضا في مواضع كقوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤٥)} [الأنعام: ١٤٥] فهذا يدل على أن ما لم فليس بمحرم. وكذلك قوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: من الآية ١١٩] فعنفهم على ترك الأكل مما ذكر اسم الله عليه، معللا بأنه قد بين لهم الحرام وهذا ليس منه؛ فدل على أن الأشياء على الإباحة، وإلا لما لحق اللوم بمن امتنع من الأكل مما لم ينص له على حكمه بمجرد كونه لم ينص. انظر: جامع العلوم والحكم ص ٢٨٣.
(٣) جامع العلوم والحكم ص ٢٨٣.
(٤) انظر: البحر المحيط في أصول الفقه، كتاب: الأدلة المختلف فيها ج ٦/ ص ١٢.

<<  <   >  >>