للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد أفرد الشوكاني لمسألة: هل الأصل فيما وقع فيه الخلاف، ولم يرد فيه دليل يخصه، أو يخص نوعه الإباحة، أو المنع، أو الوقف؟ فصلا في آخر كتابه إرشاد الفحول، ذكر فيه الأقوال الثلاثة للعلماء (١). إلى أن قال: وصرح الرازي في المحصول: أن الأصل في المنافع الإذن، وفي المضار المنع.

ثم ذكر أدلة القائلين بالإباحة، منها: احتجاجهم بقوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: من الآية ٣٢]؛ فإنه - سبحانه - أنكر على من حرم ذلك، فوجب أن لا تثبت حرمته، وإذا لم تثبت حرمته؛ امتنع ثبوت الحرمة في فرد من أفراده؛ لأن المطلق جزء من المقيد، فلو ثبتت الحرمة في فرد من أفراده؛ لثبتت الحرمة في زينة الله، وفي الطيبات من الرزق، وإذا انتفت الحرمة بالكلية ثبتت الإباحة.

واحتجوا أيضا بقوله تعالى {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: من الآية ٤] وليس المراد من الطيب الحلال، وإلا لزم التكرار، فوجب تفسيره بما يستطاب طبعا، وذلك يقتضي حل المنافع بأسرها.

واحتجوا أيضا بقوله تعالى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} واللام تقتضي الاختصاص بما فيه منفعة.

واحتجوا أيضا بقوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤٥)} [الأنعام: ١٤٥]، فجعل الأصل الإباحة، والتحريم مستثنى.

وبقوله سبحانه: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١٣)} [الجاثية: من الآية ١٣].


(١) قال الشوكاني: فذهب جماعة من الفقهاء، وجماعة من الشافعية، ونسبه بعض المتأخرين إلى الجمهور أن الأصل الإباحة.
وذهب الجمهور إلى أنه لا يعلم حكم الشيء إلا بدليل يخصه، أو يخص نوعه، فإذا لم يوجد دليل كذلك؛ فالأصل المنع.
وذهب الأشعري، وأبو بكر الصيرفي، وبعض الشافعية إلى الوقف، بمعنى لا يدري هل هناك حكم أم لا؟. انظر: إرشاد الفحول ص ٦٤٣.

<<  <   >  >>