للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال في موضع آخر: (قرن بين الملك والحمد على عاداته تعالى في كلامه، فإن اقتران أحدهما بالآخر له كمال زائد على الكمال بكل واحد منهما، فله كمال من ملكه، وكمال من حمده، وكمال من اقتران أحدهما بالآخر، فإن الملك بلا حمد يستلزم نقصا، والحمد بلا ملك يستلزم عجزا، والحمد مع الملك غاية الكمال) (١).

٧٧ - الدم غير المسفوح معفو عنه، كالدم الذي يبقى في العروق بعد الذبح، ومنه الكبد، والطحال، وهكذا ما يتلطخ به اللحم من الدم (٢).

قال تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤٥)} الأنعام: ١٤٥.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (والدم المسفوح: الجاري. وغير المسفوح معفو عنه كالدم الذي يبقى في العروق بعد الذبح، ومنه الكبد، والطحال، وهكذا ما يتلطخ به اللحم من الدم) (٣).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني -رحمه الله- من الآية أن الدم غير المسفوح معفو عنه، كالدم الذي يبقى في العروق بعد الذبح، ومنه الكبد، والطحال، وهكذا ما يتلطخ به اللحم من الدم.

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى حين حرَّم الدم وصفه بالمسفوح؛ فدل بدلالة مفهوم المخالفة-مفهوم الصفة-على أن الدم غير المسفوح ليس بحرام بل معفو عنه.

قال السعدي: ({أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} وهو الدم الذي يخرج من الذبيحة عند ذكاتها، فإنه الدم الذي يضر احتباسه في البدن، فإذا خرج من البدن زال الضرر بأكل اللحم. ومفهوم هذا

اللفظ أن الدم الذي يبقى في اللحم والعروق بعد الذبح أنه حلال طاهر) (٤).

وممن قال بهذا الاستنباط: الطبري، والجصاص، وابن عطية، والقرطبي، والقنوجي، وابن عاشور. (٥).

وفي هذا الاستنباط ما يدل على رحمة الله بعباده برفع المشقة عن هذه الأمة، والتيسير عليها. عن عكرمة قال: (لولا هذه الآية {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} لاتبع المسلمون من العروق ما تتبع منه اليهود) (٦).


(١) بدائع الفوائد ج ١/ ص ٨٧.
(٢) وهو استنباط فقهي.
(٣) فتح القدير ج ٢/ ص ١٧٢.
(٤) تيسير الكريم الرحمن ص ٢٧٧.
(٥) انظر: جامع البيان ج ٩/ ص ٦٣٣، وأحكام القرآن ج ١/ ص ١٥٢، والمحرر الوجيز ص ٦٧١، والجامع لأحكام القرآن ج ٧/ ص ١١١، وفتح البيان ج ٤/ ص ٢٦٤، والتحرير والتنوير ج ٧، ص ١٠٣.
(٦) أخرجه عبد الرزاق في تفسيره ج ٢/ ص ٢٢٠، وابن أبي حاتم في تفسيره ج ٥/ ص ١٤٠٧. وانظر: الدر المنثور ج ٣/ ص ٣٧٣.

<<  <   >  >>