للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

دليل يدل على النقل عن هذا الأصل، ولا فرق بين الحيوانات وغيرها مما ينتفع به من غير ضرر (١).

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى امتن على الناس بأنه خلق لهم ما في الأرض؛ فدل هذا الامتنان بدلالة الالتزام على أن الأصل الإباحة حتى يقوم الدليل على غير ذلك؛ لأن الله لا يمتن إلا بجائز.

ويؤيد هذا الاستنباط التأكيد بلفظ {جَمِيعًا} مع أن {مَا} موصولة تفيد العموم، لكنه سبحانه وتعالى أكده حتى لا يتوهم واهم بأن شيئا من أفراد هذا العموم قد خرج من الأصل (٢).

قال السعدي: (وفي هذه الآية العظيمة دليل على أن الأصل في الأشياء الإباحة، والطهارة؛ لأنها سيقت في معرض الامتنان، يخرج بذلك الخبائث؛ فإن تحريمها أيضا يؤخذ من فحوى الآية، ومعرفة المقصود منها، وأنه خلقها لنفعنا، فما فيه ضرر فهو خارج من ذلك، ومن تمام نعمته منعنا من الخبائث تنزيها لنا) (٣).

وممن قال باستنباط الشوكاني: الجصاص، وإلكيا الهراسي، والبيضاوي، وابن جزي، والقنوجي، وابن بدران، والمراغي، والسعدي-كما تقدم-، ومحمد أبو زهرة، والدوسري، وابن عثيمين. (٤).

وخالف في استنباط هذا المعنى من الآية آخرون، منهم: ابن العربي، وابن عطية، والقرطبي (٥). فذكروا أن {لَكُمْ} للاعتبار؛ يدل على ذلك ما قبله وما بعده من نصب العبر: الإحياء، والإماتة، والخلق، والاستواء إلى السماء، وتسويتها، فكل هذا يستدل بها على وحدانيته سبحانه وتعالى.

قال ابن العربي: (ليس لهذه الآية في الإباحة ودليلها مدخل، ولا يتعلق بها محصل) (٦).

وللعلماء في مسألة الأصل في الأشياء ثلاثة أقوال:

الأول: الإباحة.


(١) وسيأتي مثل هذا الاستنباط عند الآية ١٦٨ من سورة البقرة.
(٢) انظر: تفسير سورة البقرة لابن عثيمين ج ١/ ص ١١٠.
(٣) تيسير الكريم الرحمن ص ٤٨.
(٤) انظر: أحكام القرآن ج ١/ ص ٣٣، وأحكام القرآن ج ١/ ص ٨، وأنوار التنزيل ج ١/ ص ٢٧٢، والتسهيل لعلوم التنزيل ج ١/ ص ٤٣، وفتح البيان ج ١/ ص ١١٩، ١٢٠، وجواهر الأفكار ص ١٤٩، وتفسير المراغي ج ١/ ص ٧٣، وتيسير الكريم الرحمن ص ٤٨، وزهرة التفاسير ج ١/ ص ١٨٨، وصفوة الآثار والمفاهيم ج ٢/ ص ٧٣، وتفسير سورة البقرة لابن عثيمين ج ١/ ص ١١٠. وذكره السيوطي في الإكليل ج ١/ ص ٢٩٦.
(٥) انظر: أحكام القرآن ج ١/ ص ٣٥، والمحرر الوجيز ص ٦٩، والجامع لأحكام القرآن ج ١/ ص ٢٩٢.
(٦) أحكام القرآن ج ١/ ص ٣٥.

<<  <   >  >>