للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى ذكر أنه رب الناس، ثم أعقبها بذكر أنه ملكهم، وإلههم؛ فدل ذكره لهذه الأوصاف على هذا النحو على أن المناسبة أن الله بدأ بما هو أول وهو ربوبيته سبحانه فهي من أوائل نعمه، ثم ذكر أنه ملكهم لأن الرب قد يكون ملكا وقد لا يكون ملكا، ثم بين أنه ملك الناس؛ لأن الملك قد يكون إلها وقد لا يكون، فبين أنه إله؛ لأن اسم الإله خاص به لا يشاركه فيه أحد.

وممن قال بهذا الاستنباط: الرازي، وأبو السعود، والآلوسي، والقنوجي. (١).

وفي هذا النظم دلالة على أنه حقيق بالإعاذة، قادر عليها غير ممنوع عنها (٢). ولذا أشار ابن القيم إلى مناسبة ذكر هذه الأوصاف في الاستعاذة، فقال: (وأما سورة الناس فقد تضمنت أيضا استعاذة ومستعاذا به ومستعاذا منه منه فالاستعاذة تقدمت، وأما المستعاذ به فهو الله تعالى رب الناس، ملك الناس، إله الناس، فذكر ربوبيته للناس، وملكه إياهم، وإلهيته لهم، ولا بد من مناسبة في ذكر ذلك في الاستعاذة من الشيطان الرجيم كما تقدم فنذكر أولا معنى هذه الإضافات الثلاث ثم وجه مناسبتها لهذه الاستعاذة.

الإضافة الأولى: إضافة الربوبية المتضمنة لخلقهم، وتدبيرهم، وتربيتهم، وإصلاحهم، وجلب مصالحهم وما يحتاجون إليه، ودفع الشر عنهم، وحفظهم مما يفسدهم، هذا معنى ربوبيته لهم، وذلك يتضمن قدرته التامة، ورحمته الواسعة، وإحسانه، وعلمه بتفاصيل أحوالهم، وإجابة دعواتهم، وكشف كرباتهم.

الإضافة الثانية: إضافة الملك، فهو مَلِكُهم المتصرف فيهم وهم عبيده ومماليكه، وهو المتصرف لهم المدبر لهم كما يشاء النافذ القدرة فيهم الذي له السلطان التام، فهو ملكهم الحق الذي إليه مفزعهم عند الشدائد والنوائب، وهو مستغاثهم ومعاذهم وملجؤهم، فلا صلاح لهم ولا قيام إلا به وبتدبيره، فليس لهم ملك غيره يهربون إليه إذا دهمهم العدو، ويستصرخون به إذا نزل العدو بساحتهم.

الإضافة الثالثة: إضافة الإلهية فهو إلههم الحق، ومعبودهم الذي لا إله لهم سواه، ولا معبود لهم غيره، فكما أنه وحده هو ربهم ومليكهم لم يشركه في ربوبيته ولا في ملكه أحد فكذلك هو وحده إلههم ومعبودهم، فلا ينبغي أن يجعلوا معه شريكا في إلهيته كما لا شريك معه في ربوبيته وملكه.


(١) انظر: التفسير الكبير ج ٣٢/ ص ١٨٠، ١٨١، وإرشاد العقل السليم ج ٩/ ص ٢١٦، وروح المعاني ج ٣٠/ ص ٢٨٥، وفتح البيان ج ١٥/ ص ٤٦٦.
(٢) انظر: أنوار التنزيل ج ٥/ ص ٥٥٣، وروح المعاني ج ٣٠/ ص ٢٨٥.

<<  <   >  >>