للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فإذا تقررت هذه الأمور، وعرفت؛ تبين صواب قول الشوكاني بمنع التقليد، والله تعالى أعلم.

وما أحسن هذا الاستنباط، إذ فيه تنبيه وتحذير للمسلمين في كل زمان من تقديس آراء الرجال تقديسا يبعد عن الحق وقبوله. وكم من طائفة من المسلمين انحرفت عن جادة الصواب لما سلمت زمام عقلها لأقوال الرجال، دون النظر فيما في الكتاب والسنة، أو السؤال عما ورد فيهما.

٥ - الأصل في الأشياء المخلوقة الإباحة، حتى يقوم دليل يدل على النقل عن هذا الأصل (١).

قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى … السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٩)} البقرة: ٢٩.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (وفيه دليل على أن الأصل في الأشياء المخلوقة الإباحة، حتى يقوم دليل يدل على النقل عن هذا الأصل. ولا فرق بين الحيوانات وغيرها مما ينتفع به من غير ضرر. وفي التأكيد بقوله: {جَمِيعًا} أقوى دلالة على هذا) (٢).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني (٣) -رحمه الله- من الآية أن الأصل في الأشياء المخلوقة الإباحة، حتى يقوم


(١) وهو استنباط قاعدة فقهية فرعية مندرجة تحت القاعدة العامة (اليقين لا يزول بالشك).
(٢) فتح القدير ج ١/ ص ٦٠.
(٣) واستنبط غيره من الآيات استنباطات أخرى، منها:
١) إثبات الأفعال لله عز وجل، أي: أنه يفعل ما يشاء؛ لقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى … السَّمَاءِ}، و {اسْتَوَى} فعل، فهو جل وعلا يفعل ما يشاء. انظر: تفسير سورة البقرة لابن عثيمين ج ١/ ص ١١١.
٢) كل ما امتن الله علينا بخلقه؛ وجب علينا فرض كفاية، كتعلم العلم الذي نستطيع بسببه الانتفاع به، من معرفة طريق استخراجه، أو تصفيته، ونحو ذلك من ضروريات التسخير والاستثمار. انظر: صفوة الآثار والمفاهيم ج ٢/ ص ٧٣.
واستنبط آخرون استنباطات باطلة، منها:
٣) استنبط أهل الإباحة من المتصوفة الجهلة أن الآية دلت على الإباحة المطلقة فلا حظر ولا نهي ولا أمر، فإذا تحققت المعرفة سقطت الخدمة؛ لأن الحبيب لا يكلف حبيبه. انظر: روح البيان ج ١/ ص ٩٣، و حدائق الروح والريحان ج ١، ٢٦٣. …
٤) استنبط بعض الاشتراكيين أنه لا يكون لأحد اختصاص بشيء أصلا. أي المساواة الاقتصادية وإلغاء الملكية الفردية. وهو باطل لأنه بني على جهل بمعنى الآية وتفسيرها. انظر: منهج الاستنباط للوهبي ص ١٢١، ١٢٢.

<<  <   >  >>