للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال ابن كثير- في تفسير قوله تعالى: {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (١٣)} [الكهف: ١٣]-: (استدل بهذه الآية وأمثالها غير واحد من الأئمة كالبخاري وغيره ممن ذهب إلى زيادة الإيمان وتفاضله، وأنه يزيد وينقص؛ ولهذا قال تعالى: {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (١٣) كما قال: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (١٧)} [محمد: ١٧]، وقال: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤)} [التوبة: ١٢٤]، وقال: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح: ٤]. إلى غير ذلك من الآيات الدالة على ذلك) (١).

٤٤ - قول اليهود: {إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} بمكان يعدل قتل الأنبياء (٢).

قال تعالى: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (١٨١)} آل عمران: ١٨١.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (قوله: {وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ} عطف على {مَا قَالُوا} أي: ونكتب قتلهم الأنبياء، أي: قتل أسلافهم للأنبياء، وإنما نسب ذلك إليهم لكونهم رضوا به. جعل ذلك القول قرينا لقتل الأنبياء تنبيها على أنه من العظم والشناعة بمكان يعدل قتل الأنبياء) (٣).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني -رحمه الله- من الآية أن قول اليهود: إن الله فقير وهم أغنياء بمكان يعدل قتل الأنبياء.

ووجه الاستنباط: عطف (٤) قتلهم الأنبياء على قولهم الفاسد، فجعل ذلك القول قرينا لقتل الأنبياء؛ فدل بدلالة الاقتران على أن قولهم بمكان يعدل قتل الأنبياء.

والاقتران هنا معتبر لأنه دال على معنى غير الأحكام. إذ يمكن أخذ شيء من المعاني الأخرى غير الأحكام عن طريق دلالة الاقتران، وذلك كالتشريف الناتج عن الاقتران المشعر به أحيانا، أو التعظيم، أو غير ذلك من المعاني (٥).


(١) تفسير القرآن العظيم ج ٥/ ص ١٤٠. وانظر قريبا منه قول الشنقيطي في أضواء البيان ج ١/ ص ٤٣٨.
(٢) وهو استنباط عقدي من حيث تعظيم وصف الله بما لم يصف به نفسه فضلا عما يترفعون عنه.
(٣) فتح القدير ج ١/ ص ٤٠٦.
(٤) من أغراض العطف بلوغ أحد الموصولين شهرة الآخر في الصفة، فأحد الموصولين هنا قد بلغ في الوصف المراد بيانه مبلغ الآخر الذي عُرف وشُهر ببلوغه الغاية في هذا الوصف. انظر: بلاغة أسلوب الفصل والوصل في القرآن ج ٢/ ص ١.
(٥) انظر: قواعد التفسير ج ٢/ ص ٦٤٦.

<<  <   >  >>